خالد بوبكري
لم نكن بحاجة إلى دليل جديد على عمق الأزمة التي يعيشها المشهد الحكومي المغربي لكن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عز الدين ميداوي قدم لنا دليلاً صارخا ومجانيا حين تفوّه بجملة ستظل وصمة في جبين الخطاب السياسي المغربي الحديث.
في جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، قال الوزير، وكأنه يشرح بديهية لا تقبل النقاش:
“من جهة الأبيض المتوسط وفرنسا التي نتبعها في كل شيء، أي حاصل على الاجازة يتم تسجيله أوتوماتيكيا في الماستر..”
هكذا، بكل استخفاف بمشاعر المغاربة وبعقل الدولة وبتاريخ هذا البلد، صرّح وزير في حكومة صاحب الجلالة بأننا “نتبع فرنسا في كل شيء”.
تصريح كارثي لا يمكن تبريره لا بالسياق ولا بالنية ولا حتى بالجهل السياسي بل هو بكل بساطة إهانة مباشرة للسيادة الوطنية.
من هو هذا الوزير حتى يتحدث باسم بلد عمره أعرق من الجمهورية الفرنسية نفسها؟ من منحه الجرأة ليقول إننا نتبع فرنسا؟ ومن صمت بعده في القاعة دون أن ينهض ليوقف هذا العبث؟
عز الدين ميداوي ليس رجل سياسة بل هو نموذج صارخ لتقنوقراطي تمت فبركته سياسياً في آخر لحظة، وتلبيسه لوناً حزبياً لا يمثله ثم وضع على رأس قطاع من أخطر القطاعات.
والنتيجة: وزير يتحدث بلغة المستعمر لا بلغة المسؤول الوطني ويبرر قراراته بالتبعية لا بالاستقلالية.
ما يثير السخط أكثر من تصريح الوزير، هو صمت البرلمان، فلم نسمع نائباً يعترض ولا فريقاً يطلب الاعتذار أو حتى تنبيها شكليا، أهي شراكة صمت؟ أم عجز؟ أم أن مفهوم السيادة فقد معناه في القاموس السياسي تحت القبة؟
ما قاله الوزير ليس زلة لسان، بل فضيحة سياسية موثقة بالصوت والصورة ومجرد مروره دون مساءلة يعني شيئاً واحداً: أن البرلمان أصبح جزءاً من مشكلة أكبر، اسمها التطبيع مع الإهانة.
إن التعليم العالي ليس مكاناً لتصفية عقد النقص بل ساحة لصياغة مغرب المستقبلومن يعتقد أن الطريق إلى التطوير يمر عبر التبعية، فهو ببساطة لا يستحق منصبه.
السيد الوزير، إن لم تكن قادراً على حمل مسؤولية السيادة الوطنية في خطابك، فالأجدر بك أن تستقيل لأن مغرب اليوم ليس مغرب الوصاية ولا يقبل أن يُهان باسم “المقارنة التربوية”.
تصريحاتك ليست مجرد خطأ بل هي خيانة للوعي واستخفاف بمنصبك واحتقار غير مباشر لشعب لم يعد يقبل أن يُحكم بعقلية “الاستلحاق التربوي’.
احترمونا أو اتركوا الكراسي لغيركم.