وفاة البروفيسور محمد البغدادي صاحب أول موسوعة عربية في الفيزياء

هاشتاغ:

توفي أحد أبرز القامات العلمية في زمننا المعاصر البروفيسور والأستاذ الجامعي المتخصص في الفيزياء النظرية وصاحب أول موسوعة عربية ضخمة في الفيزياء: محمد البغدادي، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه!

محمد البغدادي:

وفق صفحة “الباحثون المسلمون” فقد ولد البغدادي في سورية في مدينة دمشق، والتحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق وبعد أن أتم دراسة الحقوق أُرسل في بعثة دراسية إلى فرنسا حيث قام بدراسة الرياضيات فحصل على إجازة في الرياضيات ليكمل دراسته العليا بها ويحصل على درجة الدكتوراه.

وقد شجعته الرياضيات على دراسة الفيزياء ولا سيما الفيزياء النظرية (theoretical physics) التي تتناول النظريات الفيزيائية وتبحث في حلولها الرياضية والمعادلات الفيزيائية لاستنباط القوانين التي تفسر سلوك الأجسام.

ومن أبرز فروع الفيزياء النظرية وأشهرها ميكانيكا الكم (quantom mechanics) والإلكتروديناميك (électrodynamics) والميكانيكا الإحصائية (statisical mechanics) وغيرها من الفروع الأخرى.

وبعد عودته من فرنسا عمل أستاذاً جامعياً في كلية الهندسة بجامعة دمشق، ثم انتقل إلى المغرب العربي في مهمة مؤقتة كخبير لدى منظمة اليونسكو في مناهج تدريس الرياضيات والفيزياء، قبل أن يستقر في المملكة ليؤسس أول مختبر للفيزياء النظرية بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس في الرباط. كما يعد البغدادي -رحمه الله- من مؤسسي القسم العربي الذي درّس مواد علمية باللغة العربية في المدرسة العليا للأساتذة.

اشتغل البروفيسور البغدادي بالتدريس لما يقارب ثلاثين سنة في المغرب باللغة العربية والفرنسية وخرّج أجيالاً من المتخصصين في مجال الفيزياء لا سيما المغاربة والدارسين في المغرب سواء أكانوا طلاباً جامعيين أم طلاب الماستر والدكتوراه.

أعماله:

للبروفيسور البغدادي مؤلفات وترجمات كثيرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية، أغلبها في الفيزياء النظرية وتاريخ العلوم كما كان اسم البروفيسور لامعاً دائماً في مجال البحث العلمي وله أعمال ومساهمات كثيرة في هذا الباب، كما عمل البغدادي أيضاً إلى جانب صديقه البروفيسور محمد عبد السلام المشهور الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء النظرية في المركز الدولي في مدينة تريستي الإيطالية.

وبعد تقاعده من العمل بدأ البروفيسور كتابة موسوعته الفيزيائية مستفيداً بخبراته في مجال التدريس والبحث العلمي التي امتدت قرابة نصف القرن، متنقلاً بين جامعات دمشق وبواتييه في فرنسا وجامعة محمد الخامس في الرباط وقد اختار أن تكون باللغة العربية وكان قد واجه تحديات وصعوبات كثيرة في هذا العمل ذكرها في مقدمة كتابه الذي أطلق عليه اسم “أسس الفيزياء المعاصرة”، وهو عمل موسوعي ضخم اشتغل به عدة سنوات إذ قام به بمفرده دون أي مساعدة أو دعم مادي.

تتألف الموسوعة من خمسة مجلدات وتعد أول موسوعة فيزيائية باللغة العربية التي اختارها البغدادي- رحمه الله- حباً لها وللعروبة وليثبت من خلالها أن لغتنا العربية كانت وما زالت وستبقى لغة التاريخ والحضارة، وأنها قادرة على استيعاب العلوم المختلفة ومصطلحاتها على المستويات كافّةً. وقد قسم البروفيسور الموسوعة إلى خمسة أقسام مختلفة عن بعضها تتناول الفروع الرئيسة في الفيزياء على الشكل الآتي:

المجلد الأول: الميكانيك التقليدي والنسبوي.

المجلد الثاني: الميكانيك الإحصائي والثرموديناميك.

المجلد الثالث: الكهرومغناطيسية والضوء.

المجلد الرابع: ميكانيكا الكم.

المجلد الخامس: الفيزياء الإحصائية.

حاول البروفيسور جاهداً ألا يترك مجالاً من مجالات الفيزياء النظرية، إلا وقد تطرق إليه، وفتح أمام القراء أبوابه، فكانت الموسوعة شاملة متكاملة قدر الإمكان، تضع بين أيدي الدارسين كل ما يبحثون عنه في هذا المجال، كما يذكر البروفيسور في كل جزء المراجع الخاصة به ومراجع أخرى لمن أراد التوسع والتعمق في الموضوعات التي تناولها الكتاب.

وصف البروفيسور-رحمه الله- الموسوعة بأنها: “تعطي كل ما يتطلبه الفيزيائي المتشبع بالرياضيات لإتمام دراسته والانفتاح على ما بعد السنوات الأولى من التعليم الجامعي”.

إن لهذه الموسوعة أهمية كبيرة وهي خير دليل على أن اللغة العربية ليست عقيمة وأننا كعرب قادرون على تخطي الصعوبات والمعضلات اللغوية التي واجهناها أثناء الترجمات العلمية. وأننا قادرون على كسر نير الانحياز والاحتكار العلمي وأن الباحثين العرب قادرون على أن يقدموا للمكتبات العربية كتباً ومراجع قيمة يستفيد منها أبناؤنا الطلبة والباحثون دون ضرورة دراسة اللغات الأجنبية التي تعيق بعض الدارسين العرب وتضع شيئاً من الغموض حول بعض المفاهيم.

وفي آخر لقاء للبروفيسور لجريدة هسبريس الإلكترونية، تحدث البغدادي -رحمه الله- عن موسوعته “أسس الفيزياء المعاصرة” ووصفها بأنها عمل لطالما أراد كتابته باللغة العربية كما عبر عن أسفه لعدم وصولها إلى المكتبات العربية بعد إتمامها، وأنها بقيت حبيس دار نشرها وما زالت إلى اليوم.

لقد دافع البروفيسور محمد البغدادي حتى آخر أيام حياته عن الحوار العلمي الجدّي والمنظّم، ودعا الى عدم حصر نقاش لغات التدريس “بين المؤمنين” من مختلف الرؤى، لأن “الحوار أمر أساسي إذا كانت النية حسنة”.

ومن بين أبرز مواقفه دعواه المستمرة لتدريس المواد العلمية باللغة العربية ومناهضته للتدريس باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى إثرائه المكتبة العربية بموسوعته الفيزيائية “أسس الفيزياء المعاصرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *