سعيد أشمير يكتب: مؤتمر البوليساريو.. أو الخيبة!!

بقلم ذ. سعيد أشمير/ناشط حقوقي و مهتم بقضية الصحراء

إن المتتبع لنزاع الصحراء ،يدرك الظرف العصيب التي تمر به جبهة البوليساريو وهي على أبواب تنظيم مؤتمرها الخامس عشر، والذي لم يسبق أن عاشته منذ تأسيسها إذ طفقت تعيش وضعا داخليا محتقنا ساهمت فيه القيادة الحالية من الحرس القديم والتي اتسم أسلوبها بقصور الرؤية وقمع النشطاء وتآكل خطابها الداخلي أمام قاعدة شبابية واسعة تتوق للانعتاق من الحياة القاسية التي تعيشها في المخيمات والتي تستنفذ سنوات نشاطها في انتظارية لحل لما يظهر أفقه بعد بل أن اليأس أصبح أقرب منه إلى القلوب جسدته الاحتجاجات الواسعة التي تعرفها مختلف الولايات (بمخيمات تندوف) والمطالبة بتحسين ظروف العيش واجتثات الفساد الذي استشرى في هرم القيادة والملاحقة أصلا باتهامات بالتعذيب والقتل والاغتصاب لصحراويين موالين للجبهة وموالين للمغرب وموريتانيين ذاقوا أشد أنواع الانتهاكات في سجن الرشيد والذين لم يعد لهم من الأساليب لحماية أنفسهم سوى باثارة النعرات القبلية، وكذا تزايد الحركات التنظيمية المطالبة بالتغيير والداعية إلى التعاطي الايجابي مع ما هو مطروح على طاولة المفاوضات في إطار الواقعية بدل الجمود السياسي الذي يزيد معاناة ساكنة المخيمات .أضف الى ذلك الأرقام المخيفة للملتحقين بالجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل والصحراء وتناسل العصابات التي تتعاطى الاتجار الدولي في المخدرات.وما يزيد من تفاقم كل هذا المتغيرات الدولية والاقليمية المتسارعة و التي لم تعد رياحها تسير وفق ما تبغيه سفينتها ،ما ساهم في إضعاف خطابها واستعاضة القيادة عن ذلك بمحاولة ارسال رسائل عبر ما تلتقطه من صور في مناسبات لإثبات شرعيتها أو ما يصفه مراقبون في مواقع التواصل الاجتماعي ب »جمهورية السيلفي ».
ولعل ما يلقي بثقله على قيادة البوليساريو المثخنة بسهام الاتهامات من كل حدب وصوب هو تزامن هذا الوضع المتسم بعدم امتلاكها لأجوبة وافية لكل القضايا التي تواجهها داخليا وخارجيا مع تنظيم المؤتمر الخامس عشر الذي لن يمر كسابقيه رغم محاولات القيادة التحكم في لوائح المؤتمرين وتكثيف التحركات الميدانية على مستوى كل ولايات المخيمات الرامية الى امتصاص الغضب وقراءة المزاج العام بل وصل الأمر إلى اطلاق تهديدات بالرجوع الى الحرب ومراجعة الانخراط في المسلسل الاممي واختيار تنظيم المؤتمر في منطقة تفاريتي المحاذية للجدار العازل المقنن باتفاقية وقف اطلاق النار ، ليس لرمزيتها ولكن لبعدها عن الرابوني مقر قيادة الأمين العام لجبهة البوليسايو وعن كل ولايات مخيمات تندوف تحريا لإبعاد المؤتمر عن الحركات الاحتجاجية التي تهدد بنسفه .
وسنحاول فيما يلي تحليل الأوضاع الدولية والاقليمية والداخلية المؤثرة بشكل مباشر على جبهة البوليساريو قبل التطرق إلى الخيارات الفاشلة التي راهنت عليها قيادة البوليساريو ولم تجن منها شيئا يذكر إن لم تكن نتائج عكسية.

على المستوى الدولي :

انفجار أزمة اللاجئين على مستوى العالم:

فاقمت الحروب التي اشتد أوارها خلال العقد الأخير جراء نكبات الربيع العربي والصراعات الاثنية في العديد من البلدان في جل القارات من مشكلة النازحين،حيث وصل عددهم أكثر من 70 مليونا على مستوى العالم من بينهم أزيد من 25 مليون لاجىء .هذا الرقم الهائل ضغط بشكل كبير على الامكانات المادية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي أصبحت تنتشر في 134 دولة بطاقم قياسي وصل الى 16800 موظف يسهرون على تسيير إمكانات إغاثية و لوجستيكية لمخيمات اللجوء لنازحين من جحيم الحروب والتي تعاني من أوضاع انسانية غاية في الصعوبة .وقد كان هذا عاملا في تحويل امكانات لوجستيكية كانت موجهة لمخيمات تندوف الى أماكن أكثر أولوية في تقدير المفوضية السامية للاجئين خاصة وأن هناك تضاربا في أعداد ساكنة مخيمات تندوف بين 176000 كما تقول به الجزائر وبين 90000 كما أوردته تقارير بعض المنظمات في ظل غياب أي احصاء أممي رسمي، ما أفضى إلى نقص الحصص الغذائية الموجهة الى ساكنة مخيمات تندوف خصوصا مع إقناع صناع القرار الأوربيين ومسؤولي برنامج الغذاء العالمي بأن جزءا من المساعدات لا تصل إلى وجهتها وأنها تتعرض للنهب منذ وصولها الى الموانيء الجزائرية بل وتباع حتى في أسواق موريتانية.وهذا الوضع دفع جبهة البوليساريو ومعها الجزائر التي بدا أنها غير مستعدة لتعويض العجز في الغذاء ، إلى تنظيم حملات دولية وبالتنسيق مع بعض المنظمات للترويج لتداعيات نقص الحصص الغذائية على انتشار الأمراض كالأنيميا وسوء التغذية والتي كان آخرها حلقة نقاش على هامش الدورة 42 لمجلس حقوق الانسان رعتها الجزائر وجنوب افريقيا بشكل مباشر لمناقشة هذا الموضوع مع تسجيل أن الجزائر أصبحت تصر على أن عدد اللاجئين بمخيمات تندوف هو 174600 كما ورد في أحد تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي بالمناسبة أحصت ساكنة المخيمات على أساس ظاهري فقط في مخالفة صريحة لماتنص عليه اتفاقية اللجوءوما تريده من معايير دقيقة للأشخاص المشمولين بولاية المفوض السامي لشؤون اللاجئين .
ويمكن القول أن تفاقم أزمة اللاجئين في العالم ساهم في نقص موارد مخيمات تندوف وبالتالي أصبح هامش المناورة ضعيفا لدى قيادة البوليساريو التي كانت تتصرف في جزء من المساعدات الانسانية لتوفير موارد مالية توجهها لصالح التسليح وتغطية بعض أنشطتها قبل ان تطالها أيادي النهب لبعض قيادييها وبشهادة ساكنة المخيمات.

تزايدسحب الاعتراف ب »الجمهورية الصحراوية » التي أعلنت عنها البوليساريو:

لقد تم الاعلان عن الجمهورية الصحراوية من جانب منظمة البوليسايو في وقت كان العالم يشهد فيه استقطابا حادا بين المعسكرين الشرقي والغربي .وبالاضافة الى محاولات الدول العربية المتأثرة بالنظام الاشتراكي لقلب الملكية في المغرب بعدما نجحت في ذلك في مصر والعراق وليبيا فإن خيارات المغرب الاقتصادية بانفتاحه على التعددية الحزبية واقتصاد السوق وفتح أسواقه للمنتجات الغربية والتبادل التجاري مع الغرب كانت عوامل جد حاسمة في اقدام بعد دول أمريكا اللاتينية خصوصا على الاعتراف بالبوليساريو كحركة اشتراكية تحررية .أما على المستوى الافريقي فالدعم الليبي آنذاك كان كافيا لضمان اعتراف عدة دول بالجمهورية الصحراوية.
لكن المجهودات الدبلوماسية للمغرب ساهمت في سحب 50 دولة اعترافها ب »الجمهورية الصحراوية » المعلنة من طرف جبهة البوليساريو إما مقتنعة بالمسار الأممي للمفاوضات الذي ينادي بحل واقعي متفاوض عليه أو مشيدة بمقترح الحكم الذاتي يضعه المغرب منطلقا للتفاوض الجاد في سبيل حل النزاع بصيغة رابح-رابح.
وأمام هذا العدد الكبير للدول التي سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية فلم يكن ممكنا لمنظمة البوليساريو التعاطي مع تداعياته باستثناء بيانات التأسف ،وهو أمر طبيعي بالنظر إلى غياب ليبيا كداعم أساسي وتغير العلاقات الدولية التي أصبحت تنبني أكثر على المصالح المتبادلة أكثر من الخلفيات الايديولوجية .

على المستوى الاقليمي:

التهديد الارهابي في منطقة الساحل والصحراء :

إن من نتائج الحرب الأهلية الليبية أن دمرت ما تسمى بالدولة بمفهومها الشامل حيث تحولت الى رقع جغرافية متناحرة على أساس قبلي أو على اساس الولاء للثورة أو للزعيم الراحل معمر القذافي .وتحولت ليبيا الى ساحة صراع اقليمية بين مصالح مصرية وخليجية تدعم الجيش الوطني الليبي ومصالح تركية قطرية تدعم حكومة الوفاق ،أما الدول الغربية فإن ما يهمها هو أداء ليبيا لتكلفة دعمها للحرب ضد القذافي عبر بيع نفطها .
هذا الوضع شكل مجالا خصبا لاختمار الجماعات المسلحة التكفيرية والتي تجتمع تحت راية جماعة نصرة الاسلام والمسلمين وبعضها موال لتنظيم داعش الذي أعلن من درنة عن ولائه لأبي بكر البغدادي وشكل ثلاثة فروع :برقة في الشرق فزان في الصحراء وطرابلس في الغرب .وهو جزء من تنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى .
وقد سمح غياب الاستقرار الامني والسياسي بتوسع أنشطة الجماعات المسلحة على امتداد منطقة الساحل والصحراء التي تمتد من غرب القارة الافريقية الى شرقها ،لتشمل تنفيذ هجمات مسلحة على القوات الدولية والأممية المتواجدة لدعم جهود ارساء السلام بمالي أو المتواجدة لمنع تغذية تلك الجماعات بالموارد.
وإضافة الى النشاط المسلح فقد شكل الوضع الامني المضطرب فرصة لازدياد أنشطة الاتجار الدولي في المخدرات والاتجار بالبشر وتهريب الاسلحة والمهاجرين .
وقد سجل التحاق عدد كبير من شباب مخيمات تندوف بتلك المجموعات المسلحة إذ تجاوز العدد 104 أشخاص باعتراف البوليساريو أبرزهم « لحبيب عبدي سعيد « أو المكنى ب « أبي الوليد الصحراوي « أمير تنظيم « حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا » والذي أعلن ولاءه » لأبي بكر البغدادي  » والمسؤول عن عمليات خطف اوربيين ودبلوماسيين والمطالبة بفدية بهدف الابقاء على تمويل تنظيمه وكذا اعدام الدبلوماسي الجزائري « الطاهر تواتي « بعد خطفه من قنصلية بلاده بإحدى مدن شمال مالي .
ويعزو أحد الصحفيين الناشطين في تندوف إلى أن مساجد المخيمات تساهم بشكل مباشر في نشر الفكر التكفيري دون رقيب ولاحسيب.
ومما زاد الوضع سوءا هو عدم قدرة البوليساريو على ضبط عناصرها رغم تكاثف تعاونها مع الجيش الجزائري إذ يطرح سؤال حول الكيفية التي تم فيها التحاق 104 شخص بتنظيمات مسلحة تكفيرية دون أن يثير ذلك انتباه الاستخبارات الجزائرية في مرحلة من المراحل ؟ ما يؤكد أن السلطات الجزائرية كانت تعلم بهذا الأمر ولكنها فضلت التعتيم لمصلحتها الجيوسياسية في احتضان تنظيم البوليساريو ،بالرغم من أنها معنية بكل جهد دولي يهدف الى تشكيل جدار دفاعي ضد التهديدات الارهابية والانشطة غير المشروعة بالنظر الى شساعة حدودها .
والشاهد من هذا أن البوليساريو ظهرت أمام المجتمع الدولي كرافد بشري من روافد الجماعات المسلحة والانشطة غير المشروعة في منطقة الساحل والصحراء ،خاصة وأن منتسبيها يحملون فكرا تنظيميا عسكريا سيمكنهم من الاندماج بسرعة داخل الجماعات المسلحة وفهم التكتيكات الحربية المناسبة لظروف الصحراء.
وهذا ما يفسر التحذيرات التي أطلقتها الحكومة الاسبانية وكندا وفرنسا لمواطنيها لمنعها من السفر الى مناطق بالجزائر وتندوف والساحل بسبب توفرها على معلومات استخباراتية غاية في المصداقية عن وجود نية لدى المجموعات المسلحة بالقيام بهجومات مسلحة على مواطنين أجانب بهدف احتجازهم رهائن والتفاوض لإطلاق سراحهم مقابل فدية أو قتلهم .

الوضع الداخلي للجزائر و عزلة جنوب افريقيا :

يتسم الوضع الداخلي في الجزائر بالغموض بين قيادة جيش كانت بالأمس مصرة على اسناد عهدة رابعة للرئيس الاسبق « بوتفليقة  » ثم محاولة » الخامسة  » ونفس قيادة الجيش الذي قفز ت من سفينة الرئيس قبل ان تغرق ويعلن مساندته للحرك المنادي باستقالة ومحاسبة رموز النظام بل وأصبح يسطر محطات فترة الانتقال السلمي من بينها تعيين تواريخ للانتخاب رغم تعالي الاصوات الرافضة لانتخابات دون استبعاد كل رموز النظام السابق والمسؤولة عن الفساد الذي أنهك الجزائر وضيع عليها فرصة الاستفادة من 1000 مليار دولار هي موارد بيع النفط الجزائري منذ بدء تسويقه عالميا حيث لازالت الجزائر تعاني من أزمات اجتماعية وضعف البنية التحتية.
وبالنسبة للبوليساريو فهذا الوضع فرض عليها التعامل بشكل مباشر مع المؤسسة العسكرية التي يظهر انها حساسة بدرجة كبيرة لكل صغيرة او خطاب يشد عن ما تم رسمه للتسويق بالمخيمات ،حيث طالت يد الدرك الجزائري بمخيمات تندوف لتصل الى حد اختطاف نشطاء حقوقيين ومدونين قبل ان تسلمهم للبوليساريو لمواصلة احتجازهم تحت ذريعة التحقيق والمحاكمة.
وقد أصبحت البوليساريو حذرة جدا تجاه التعامل مع الوضع الداخلي للجزائر خاصة في ظل بعض أصوات الحراك السلمي المطالبة بانهاء مخيمات تندوف والكف عن تمويل البوليساريو .وهذا كلف قيادة المنظمة الارتهان التام في يد الجيش الجزائري الذي أصبح يتحكم في إخراج مشهد تندوف من ألفه إلى يائه ،على حساب معاناة الساكنة.
أما جنوب افريقيا ورغم أنها مستميتة في الدفاع عن البوليساريو فإنها سرعان ما استهلكت ارث الزعيم « ماديبا » أي نلسون مانديلا لتعيش فترات انتهاكات حقوق الانسان حيث تنتشر فيها الاعدامات الميدانية وجرائم الكزينوفوبيا التي مست بمصالح وحقوق المهاجرين الافريقيين الذين تعرضوا للقتل والحرق أحياء وخاصة المنحدرين من زيمبابوي لا لشيء سوى انهم أجانب.أضف إلى أنها لازالت ترزح في قائمة الدول ذات المعدلات الاعلى في انتشار مرض الايدز.
كل هذا جعل تأثيرها الافريقي ضعيفا فيما يتعلق بحشد الدعم لصالح البوليساريو على حساب المغرب الذي تمكن من الفوز بمنصب رئيس منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة في قلب العاصمة الجنوب افريقية ،كما نجح في تحويل مناورات الأسد الافريقي لسنة 2020 من جنوب افريقيا ،ونجح في ضمان احتضان القمة الافريقية الامريكية سنة 2020 بعدما فضلت الولايات المتحدة الامريكية المغرب عوض جنوب افريقيا .
وخلاصته أن أشد الحلفاء استماتة لم يستطع تحقيق أي اختراق ولو معنوي يحسب لصالح البوليساريو

تجاوز العقبات التي كانت تعترض الشراكة الاوربية المغربية :
احدى استراتيجيات البوليساريو هي ايجاد حاضنة أوربية لخطابها ،خاصة المتعلق بملف حقوق الانسان في الجانب الغربي للجدار العازل وملف ثروات الصحراء الذين تم استثمارهما منذ أحداث « اكديم ازيك » وتوظيفهما في العديد من المنتديات والتمثيليات الأوربية بل تم استئجار محامين أمريكيين من أجل الترافع القانوني واعداد مذكرات في هذا الشأن واقحام المحكمة الاوربية عبر رفع دعاوى قضائية أمامها قصد الحكم بعدم قانونية استيراد المنتجات الفلاحية للأقاليم الجنوبية أو شمول اتفاقية الصيد للمياه الاقليمية الجنوبية للمملكة المغربية والضغط على المفوضية الاوربية في اتجاه انهاء الاتفاقات مع المملكة أو تخصيص جزءا من منافع الاتفاقات لصالح البوليساريو التي ترافع بكونها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي.
وباعتبار الوضع المتقدم للمغرب في شراكته مع الاتحاد الاوربي وتوسعها لتشمل الجانب الأمني وقضايا الهجرة ،فقد استطاع الاتحاد الاوربي تطوير اتفاقاته مع المغرب بالكيفية التي تجاوز به قرارات المحكمة الاوربية وحتى مفهوم ممثل الصحراويين لم يعد مقتصرا على البوليساريو إذ تم اشراك منتخبي جهات الصحراء والمجتمع المدني في مفاوضات الاتحاد الاوربي ،ما يعني أن محاولة تجميد الشراكة المغربية-الأوربية قد باءت بالفشل أيضا وأفقدت البوليساريو الثقة في مواصلة مساعيها التي أصبحت تمس المواطن الأوربي بشكل مباشر .

التقارب المغربي الأمريكي وانعكاساته على قرار مجلس الأمن:

تميز أسلوب ادارة ترامب بإحداث رجة في جميع الملفات التي توضع بين أيدي الادارة الامريكية .وقد ظهر ذلك جليا في أسلوب التعامل مع كوريا الشمالية التي انتهت بلقاء تاريخي بين الرئيس الامريكي والزعيم الكوري الشمالي بعد أن وصل الامر الى التهديد المتبادل بالصواريخ النووية.كما بدا هذا الامر واضحا في تعامل الادارة الامريكية مع الناتو حليفها الاستراتيجي ،وتناولها للملف الايراني والملف السوري حيث عملت على نقل التهديدات للحدود القصوى وسرعان ما خفت وتغيرت نبرة الصوت.
وبالنسبة لملف الصحراء ،فقد ضغطت الولايات المتحدة الامريكية في البداية لتمريرتوسيع صلاحيات المينورسو والتي لم تتحقق لكنها ربحت تقليص فترة التمديد للمينورسو من سنة الى 6 أشهر تحت التهديد بأن الملف يستهلك موارد مالية كبيرة دون طائل .
لكن القرار الأممي 2494 أثبت أن التقارب الامريكي المغربي الذي لعب فيه القصر الملكي دورا كبيرا جدا بعيدا عن ماهو رسمي ،قد آتى أكله بتمديد ولاية بعثة المينورسو سنة كاملة أي رجوعها والتنصيص لأول مرة على عبارة « ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي ودائم لمسألة الصحراء على أساس من التوافق »ما يعني أن مجلس الأمن توصل الى استحالة تطبيق تقرير المصير وفق الآلية التقليدية وأن النزاع مترابط جدا ومعقد وخطير بالصفة التي تفرض البحث عن حل تتوفر فيه الجرأة والارادة السياسية ويتسم بالواقعية أي بتقدير كل التحديات ويكون متوافق عليه يضمن مباركة واسهام جميع الاطراف المعنية ،وهنا تم تجاوز الطرفين أي أن المجال مفتوح أمام أطراف أخرى غير حكومية للمضي في البحث عن الحل السياسي الواقعي والمستديم.
ويعد هذا القرار انتكاسة للبوليساريو إذ تم اقصاء مطلبها الرامي الى اعمال آلية تقرير المصير بالاستفتاء ،بل وأن مجلس الأمن يحث المينورسو على توجيه موارد البعثة لتحقيق غاية الحل السياسي الواقعي الدائم والمتوافق عليه.

على المستوى الداخلي (مخيمات تندوف ):

وليس الوضع الداخلي بالمخيمات بأقل سوء ، بل هو الأسوء على الاطلاق إذ تحولت مخيمات « العهزة والكرامة « كما تصفها البوليساريو إلى سجن كبير تعيش ساكنته حصارا حقيقيا :فحتى الانتقال الى باقي التراب الجزائري – وهو بالمناسبة أمر طبيعي بالنظر لما تكفله اتفاقية اللجوء- يتطلب تعبئة مطبوع خاص يمر وجوبا عبر مكتب الاتصالات العسكري الجزائري المتواجد بتندوف حيث يدرس الطلب والوجهة والغاية ويعطى تصريح الزيارة لا يتعدى ثلاثة أشهر في أحسن الأحوال ، وذلك تحريا من السلطات الجزائرية لمنع حصول الصحراويين على العمل ويتم افراغ المخيمات من قاطنيها .
ومن الطبيعي أن يتساءل كل من يعيش في تلك المخيمات عن آفق لنهاية هذه المعاناة في هذه الصحراء القاحلة التي يكابدون فيها حر الصيف وبرد الشتاء وتلوث المياه ونقص المؤونة ،في الوقت الذي يعيش المسار التفاوضي حالة جمود يتحمل مسؤوليتها هرم القيادة والمقربين الذين يعيشون في رفاهية ويتنقلون بجوازات جزائرية في شتى أصقاع العالم بموارد هي في الاصل موجهة للساكنة .
وقد تولد عن هذا وعي لدى الشباب خاصة والساكنة عامة بضرورة استثمار طاقتهم في البحث عن بدائل وانشاء حركات موازية تنادي بحرية التنقل وتحقيق الأمن وضرورة التعاطي الايجابي مع ماهو مطروح على طاولة المفاوضات والبحث عن حلول واقعية تكون كفيلة بانهاء معاناة ساكنة مخيمات تندوف والتحاقها بأرضها الأم بدل استنفاذ سنوات الحياة في انتظارية.
لكن منظمة البوليساريو سرعان ما سخرت أجهزتها واعلامها لتكيل الاتهامات بالتخوين وبالعمالة وقابلت تلك الحركات بالمنع والتدخلات العنيفة بل وصل الأمر حتى استعمال مدرعات عسكرية واستعمال الرصاص الحي .كما سجنت المعارضين لها بايعاز من السلطات الجزائرية سواء من الصحفيين أو من نشطاء الحراك السياسي المسمى « المبادرة الصحراوية للتغير  » وقبله حركة « 5 مارس  » و »خط الشهيد ».
كما لجأت قيادة البوليساريو إلى أثارة النعرات القبلية وتقسيم ساكنة المخيمات على أساس نقاء النوع حتى تتمكن من زرع عوامل المفاضلة ونشر خطاب « قبائل الصحراء « و »قبائل تكنة « وخطاب « البيظان « و »الحراطين ».إلا أن كل ذلك لم يثن حركة الوعي الشعبي من توجيه اتهاماتها للقيادة بالفشل في تدبير ملف النزاع واستهلاك موارد هائلة ثم الرجوع بخفي حنين ،كما تتهم أيضا بالمسؤولية عن الصراعات القبلية وعن الانفلات الناتج عن معارك تصفية الحسابات حيث بان بشكل جلي ضعف الاجهزة الأمنية في حسم هذه الصراعات لصالح سيادة هيبة قواتها.
لكن الملف الذي يؤرق قيادة البوليساريو هو احياء ملف جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب في سجن الرشيد الذي يطارد أسماء وازنة كانت مسؤولة عن قمع انتفاضة 1988 وارتكبت القتل السادي وشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي والاغتصاب في حق صحراويين وموريتانيين تعرضوا لما تعرضوا له في سجن الرشيد سيء السمعة والذي لازال يمارس فيه التعذيب والقتل لغاية الآن حيث انه في السنوات الاخيرة تم تسجيل ما لا يقل عن ثلاث حالات وفيات لأشخاص اعتقلوا اصحاء ثم بعد أيام أخرجوا قتلى.
شهادات ضحايا ملف التعذيب بسجن الرشيد وأسماء القتلى من الموريتانيين والصحراويين وكذا أسماء الجلادين أصبحت حديث الساعة على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى اليوتيوب وعلى منابر أوربية كان آخرها الجولة التي نظمها أحد الضحايا »أكاي ولد سيدي يوسف » في العديد من العواصم الأوربية وتعرض خلالها لاعتداء من طرف مناصرين لقيادة البوليساريو في اسبانيا.
وقد رصد أيضا انشاء قناة على اليوتيوب تسمى « الغربية » يملكها الاعلامي « بادي عبد ربو » جعلت من فضح جلادي قيادة البوليساريو المسؤولين عن قتل وتعذيب الصحراويين هدفا لها عبر تسجيل شهادات حية للضحايا أنفسهم .ومن المتوقع أن تحقق أكبر نسب مشاهدة لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة لدى كل الصحراويين على جانبي الجدار وما ستؤسسه هذه القناة من أمل للضحايا وذويهم في سبيل سلوك آليات الانتصاف الدولية من الجلادين الذين يصولون ويجولون دون حسيب ولارقيب.

الرهانات الفاشلة لقيادة البوليساريو:

اغلاق معبر الكركرات : مطلب جزائري ببصمات البوليساريو.

يصعب كثيرا التحدث عن رهان للبوليساريو دون الحديث عن كونه رهان جزائري ينطلق من مصالح اقتصادية بحتة تتجاوز مصلحة البوليساريو،وإلا فلماذا قبلت الجزائر بمخطط تقسيم الصحراء التي اقترحه آنذاك « جيمس بيكر » لو كانت تؤمن بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير كما تدعي .
وبالرجوع إلى إغلاق معبر الكركرات ،فمن السداجة ان يعتقد المرء أن سبب مشاكله هو محاولة المغرب تعبيد الطريق الترابي الواقع في المنطقة العازلة الذي يبلغ طوله 4,5 كيلومتر بهدف منع كل مجال يسمح بوجود انفلات امني خاصة وأن المنطقة أصبح تسمى من طرف التجار وعابري الحدود ب « قندهار « في إشارة إلى غياب سيادة أي نظام.
إن مشروع إغلاق معبر الكركرات مرتبط بفتح خط « تندوف الزويرات » الذي شيد باتفاق جزائري –موريتاني ،ذلك أن الجزائر تهدف من خلاله الى ربح خط مباشر لقوافلها التجارية ينطلق من منطقة « ادويك النقطة 65 « باتجاه الزويرات الموريتانية (حوالي 800 كلم ) ثم الى ميناءي « داخلة نواذيبو » و نواكشوط وبذلك تكسب معبرا للمحيط الأطلسي الذي هو حلمها وأحد دواعي دعمها للبوليساريو .
أما موريتانيا فتطمح الى استفادة المناطق التي يمر عبرها الطريق في أقصى الشمال الموريتاني من نشاط الحركة التجارية في خط « تندوف-الزويرات » ك »عين بنتيلي »و »بير امغرين » و »الزويرات » إضافة الى العائد المادي الذي سيحققه ميناء دخلة انواذيبو وازدهار الشمال الموريتاني.
لكن العقبة أمام هذا المشروع هو معبر الكركرات التي يحتكر جل النشاط التجاري البري بين أوربا وافريقيا وبين المغرب ودول افريقيا ،كما أن العبور الدولي يتم عبره نظرا لكونه أقرب طريق للقوافل التجارية وأكثرها أمنا على الاطلاق.وهنا يأتي دور البوليساريو التي أريد لها أن تلعب دورا يخلق اضطرابات بمعبر الكركرات ويسبب توقفات متكررة وخسائر للحركة التجارية بما يؤدي الى اغلاقه في البداية من الجانب الموريتاني باعتباره أصبح يشكل تهديدا أمنيا حقيقيا مستفيدين من الشريط العازل .وبذلك يتم توجيه القوافل وحركة العبور الى معبر ادويك بتندوف باتجاه الزويرات بل أن الحركة التجارية ستنطلق من ميناءي وهران الجزائر العاصمة
أما البوليساريو فستستفيد من الطريق عبر انشاء كنتونات مدنية في ما تسميها « المناطق المحررة  » شرق الجدار- والتي هي أصلا مناطق تشكل 20% من مساحة الصحراء تركها المغرب أثناء بناء الجدار الرملي في إطار تكتيك عسكري تحاشيا لمواجهات مباشرة مع الجيش الجزائري- ك »بير لحلو » و »اميجك » و »تفاريتي » و »امهيريز »وذلك بهدف تنشيطها اقتصاديا وتطورها لتصبح حواضر تكون منطلقا للمطالبة بضم ما بقي من الصحراء .وقد ظهر هذا بعد تشييدها لبنايات في تفاريتي وتنظيمها لأنشطة عسكرية احتفالية ،ما كاد ان يسبب انتكاسة مسار السلام بعد أن هدد المغرب بالحرب إن لم تردع الأمم المتحدة استفزازات البوليساريو ومحاولة تغييرها الوضع القائم الذي يؤطره الملحق العسكري 1 لاتفاقية وقف إطلاق النار. وفعلا فقد تدخلت الأمم المتحدة وفرضت تدابير الابقاء على الوضع القائم بموجب الاتفاقات العسكرية .
لكن البوليساريو استمرت على استفزازاتها تارة بتسخير عناصر عسكرية للقيام بمناورات بسيارات رباعية وتهديد المدنيين (المحميين بموجب الاتفاق العسكري) وقذف القوافل بالحجارة والتسبب بخسائر مادية للشاحنات العابرة واستفزاز الجنود المغاربة غرب الجدار.وكل هذا في سبيل تحقيق الظروف السياسية المهيئة لغلق معبر الكركرات كما تم ذكره آنفا.
وبوجود دورية اممية للحراسة تقوم بالتقرير عن حالة الحركة التجارية والعوائق التي تعيقها ،فقد وضعت البوليساريو نفسها بصورة الميليشيا غير المتحكم في تصرفاتها وخدشت صورة الجمهورية الصحراوية التي كانت تروج لها أمام المنتظم الدولي .وتقلصت من طرف في التفاوض في مسار أممي إلى أداة لتحقيق غايات جزائرية.
أما طريق تندوف –الزويرات ،فمن المستحيل عمليا أن يعوض معبر الكركرات نظرا لطوله الذي يصل الى 1000 كلم فقط من تندوف الى نواكشوط دون الحديث عن المسافة بين شمال وجنوب الجزائر أي أن سيشكل عبئا على حركة العبور والتجارة الدولية .أضف إلى أن طريق صحراوي يقع بنظر مراقبين في منطقة تعتبر مجال تحرك الجماعات المسلحة التي ستستهدفه لا محالة من أجل اختطاف أجانب ،ما يجعله غير ذي جدوى اقتصادية ويحتوي مخاطر امنية كبيرة.
ومن هنا يمكن الحكم بفشل رهان البوليساريو على اغلاق معبر الكركرات.

فشل تحقيق مكاسب من استثمار ملف حقوق الانسان:

بعد أحداث « اكديم ازيك »سعت البوليساريو إلى الاستفادة إلى أقصى الحدود من الزخم الدولي الذي حققته عبر ترويج ملف « انتهاكات حقوق الانسان » وضرورة توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان .ومولت تحركات واسعة في الجانب الغربي للجدار بمدن الصحراء من تنسيقيات ومجموعات بل وافتعلت اعمال شغب يتم استثمار القاصرين فيها بشكل مباشر ثم يتم توثيق التدخلات الأمنية وتصويرها كواقع يومي يرزح تحته الانسان الصحراوي تحت سلطة المغرب.
لكن نشاط الحركة الحقوقية المدنية والمؤسساتية (المجلس الوطني لحقوق الانسان ) بمدن الصحراء وتصدي المؤسسة القضائية لمختلف الانتهاكات دون أي اعتبار للخلفية السياسية للضحية برهنت على قوة آليات الانتصاف المحلية وتفاعلها مع المنظمات الحقوقية .كل ذلك أدى إلى تحصين المكتسبات الحقوقية التي تحققت وعدم السماح بأن تعرف مسارا تراجعيا .وما عزز ذلك هو انخراط المغرب بشكل ايجابي في الممارسة الاتفاقية أثبتتها التقارير المقدمة للهيئات الأممية واستقبال المقررين الأمميين الخاصين ،والسماح بمزيد من حرية التعبير في مدن الصحراء جسدته تنقلات نشطاء حقوقيين موالين للبوليساريو إلى الجزائر ومشاركتهم في انشطة المنظمة بتندوف وبجامعات الجزائر وبالعواصم الأوربية دون أن يستتبع ذلك أية متابعة من السلطات المغربية .
وسرعان ما تلاشى التعاطف الدولي مع هذا الملف بعد أن انكشفت الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان التي تقوم بها البوليساريو سواء في المخيمات من تعذيب واختطاف وقتل بالسجون أو بمدن الصحراء بتحريض القاصرين واستغلالهم في اعمال الشغب وحرمانهم من حقهم في النمو واقحامهم في عالم الجريمة.وكذا ارتباط قياداتها بملف تعذيب صحراويين وموريتانيين وأسرى مغاربة.
أما وضعها اليوم على مستوى مجلس حقوق الانسان ،فقد أصبح مقتصرا على تنظيم حلقات نقاش بالتعاون مع « حركة نمور التاميل  » قصد تناول حق تقرير المصير وبعبارة أخرى فقد تحول ملف حقوق الانسان بالصحراء الى ملف روتيني تقف عليه منظمات ممولة أو تحركات جزائرية مباشرة ، دون أن يساعد ذلك على إثارة انتباه المنتظم الدولي.هذا بالاضافة الى اتهامات بالعمالة والتخوين التي طالت نشطاء حقوقيين موالين للجبهة وينشطون في مدن المغرب وهو الشيء الذي سبب في تراجع الحركة الاحتجاجية الموالية للبوليساريو الى معدلات صفرية ،أسهم فيها الفرص الاقتصادية التي تم خلقها للشباب بمدن الصحراء وانخراطهم في كسب عيشهم بدل الرهان على الوقفات أو أعمال الشغب التي لم تجلب سوى المتاعب.

الخلاصة :
مما سبق يتضح للقارئ الكريم ،أن كل هذه العوامل ستلقي بثقلها على المؤتمر 15 للبوليساريو وستثير نقاشات مفصلية حول جدوى القيادة الحالية،واستنفاذها لسنوات من عمر القضية دون أن تضيف شيئا.وطبعا فالقيادة ستسعى الى حماية نفسها كما أسلفنا بالمعطى القبلي وتحويل المناسبة الى منبر للمزايدة بالشعارات من قبيل « خيار الحرب » و »الانسحاب من التفاوض » ، لأنها تدرك أن سقوطها عن مركز القرار يعني بالضرورة نهاية الجلادين الذين تلاحقهم أرواح الصحراويين والموريتانيين والأسرى الذين تم قتلهم في سجن الرشيد ،ويستقصي أثرهم كذلك الضحايا الناجون من سجن الرشيد الرهيب..
لذلك فمن الموضوعي جدا أن نتوقع ان المؤتمر 15 لمنظمة البوليساريو سيكون بمثابة الخيبة الكبرى لهذه القيادة مقابل صعود نجم قياديين من رحم الساكنة ينادون بالتغيير والتعاطي الايجابي مع المسلسل التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة .فهل ستسمح المخابرات الجزائرية بتغيير حرسها القديم القائم على مشروعها ؟أم أن ايقاع التغيير يتجاوز ما يتمناه القايد صالح؟

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *