5 زعماء قادوا حركات التحرر في إفريقيا

قادت معظم حركات التحرر معظم بلدان العالم الثالث في مراحل تطوره السياسية ليتصدرها زعامات روحية وقبلية ونخبة متعلمة نجحت في زحزحة الاستعمار وانتزاع الاستقلال الوطني بسبل مختلفة، ليستطيعوا في فترة قصيرة تحقيق الديموقراطية والمساواة والتقدم الاجتماعي مقابل ثمن باهظ دفعوه هم وشعوبهم مارين بعشرات الاحتجاجات والعقبات الدولية.

محمد الخامس

ولد محمد الخامس ابن السلطان مولاي يوسف يوم 10 أغسطس/آب 1909 في مدينة فاس المغربية، وهو أصغر إخوته الثلاثة. قضى طفولته في القصر الملكي بفاس التي كانت عاصمة للبلاد قبل أن يتم الانتقال إلى الرباط، وتربى في أجواء التنشئة التقليدية المحافظة للأمراء.

قصة محمد الخامس مع المُلك عبارة عن مسار غير متوقع، ذلك أنه لم يكن مرشحا لتولي عرش والده مولاي يوسف الذي توفي صيف 1927.

فخلال فترة المرض الذي أودى بالسلطان، كان ابنه إدريس يستعد لخلافة والده تكريسا لعرف تولية أكبر الأبناء، لولا أن الإقامة العامة للحماية الفرنسية كان لها رأي آخر، تقاسمه معها أيضاً « الصدر الأعظم » القوي آنذاك محمد القري. ورغم معارضة بعض الأعيان والفقهاء لهذا القرار، فان إرادة الأقوى سادت وأعلن الأمير محمد بن يوسف سلطانا على المغرب يوم 18 غشت 1927.

كان عمر محمد الخامس حينئذ لا يتجاوز 18 سنة، ويقول مؤرخون إن السلطات الفرنسية دعمت اختياره لهذا السبب بوصفه شابا بدون خبرة، وكان منصرفا عن شؤون الحكم ودواليب السياسة، فيمكن أن تتحكم فيه بسهولة.

لكن يبدو أن حسابات سلطات الحماية لم تكن صائبة تماماً، فرغم أن محمد الخامس -الذي حول لقبه من « السلطان » ذي الحمولة التقليدية إلى « الملك »- مارس صلاحياته السيادية تحت رقابة الحماية ذات السلطة العليا، فإنه تحدى الخطوط المرسومة له وربط اتصالات وثيقة مع قيادات الحركة الوطنية.

وقد ساند مطالبها التي اتخذت في البداية عنوانا إصلاحيا، كما تبنى لاحقا خيارها بالمطالبة الصريحة بالاستقلال، خصوصا من خلال الوثيقة الشهيرة التي قدمها عدد من رموز الحركة الوطنية في 11 يناير 1944.

وتواصل مسلسل الشد والجذب بين الملك وسلطات الاستعمار من خلال الإشارات التي كان يطلقها محمد الخامس تجاه تأكيد سيادة البلد.

تأكد ذلك خلال زيارة له وُصفت بالتاريخية إلى مدينة طنجة في أقصى الشمال حين كانت خاضعة لإدارة دولية، حيث شدد في خطاب بتاريخ 9 أبريل 1947 على وحدة تراب المملكة.

وقد تجسد ذلك من قبل في يونيو 1945 حين دُعي إلى فرنسا من قبل رئيسها شارل ديغول لحضور احتفال عسكري بمناسبة نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث وُشح بوسام « رفيق التحرير » الفرنسي تقديرا لمساهمة المحاربين المغاربة إلى جانب الحلفاء. وقد جدد الملك بهذه المناسبة المطالبة باستقلال بلاده.

وبغض النظر عن التحولات التي طبعت سياسة السلطات الاستعمارية، فقد اتجه محمد الخامس عموما إلى دعم مواقف الحركة الوطنية الممثلة أساسا في حزب الاستقلال. ودخل في تحدي رفض التوقيع على القوانين التي تصدر شكليا باسم الملك، الأمر الذي استفز فرنسا وأعوانها بالمغرب.

وهكذا بدأت الضغوط والمناورات لإبعاده عن المشهد. وانعقد يوم 20 مار 1953 في مراكش اجتماع للباشوات والقيادات التقليدية الجهوية برئاسة الرجل القوي حليف فرنسا التهامي الكلاوي، استهدف سحب الشرعية الدينية من الملك، وكان ذلك مقدمة لنسف سلطته ككل.

وبالفعل تصاعدت الضغوط من قبل الحماية الفرنسية في عهد المقيم العام الجنرال غيوم لتسفر عن نفي الملك يوم 20 غشت 1953 في جزيرة كورسيكا ثم أبعِد يوم 2 يناير/كانون الثاني 1954 إلى مدغشقر.

وبادرت سلطات الحماية إلى تنصيب ابن عرفة -وهو أحد الوجوه المغمورة في الأسرة العلوية- ملكا صوريا قوبل برفض عارم من قبل القوى الوطنية والجماهير. وارتفعت وتيرة عمليات المقاومة والمظاهرات المطالبة بعودة محمد الخامس حتى تحققت بالفعل يوم 16 نونبر 1955.

ولتجاوز الأزمة المغربية، انطلقت مفاوضات إيكس ليبان في فرنسا بين السلطات الفرنسية وممثلي الهيئات المغربية (37 شخصية وطنية) يوم 23 غشت 1955 وأسفرت عن تنحية ابن عرفة وتشكيل حكومة وطنية.

وزكى محمد الخامس تشكيل أول حكومة وطنية برئاسة أمبارك البكاي، وتركز مهمتها على مواصلة التفاوض مع فرنسا من أجل الاسترجاع الكامل لاستقلال المملكة، وهو ما تحقق بالتوقيع على وثيقة الاستقلال يوم 2 مارس/1956.

نيلسون مانديلا

“الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً“

ولد مانديلا عام 1918 في عشيرة زوسا شرق مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا باسم محبب خاطبه المقربون به وهو “ماديبا”، عاش مع رئيس عشيرة الثيومبو بعد وفاة والده حتى درس في جامعة “فورت” ليدرس القانون حتى انخرط في السياسة ومناهضة المستعمر وأصبح عضوًا في الكونغرس الأفريقي كناشط في البداية ثم رئيسا للمؤتمر الوطني الأفريقي الممتاز للشباب حتى بعد خروجه من السجن.

عمل مانديلا بالمحاماة وفتح مكتبا له 1952 في جوهانسبرج مع شريكه أوليفر تامبو الذي شاركه أيضًا تأسيس حملة لمكافحة التمييز العنصري ضد الحزب الوطني الأبيض المضطهد للأغلبية السوداء، لتتوجه له تهمة الخيانة العظمى بعد ذلك بفترة قصيرة ومعه 155 ناشطًا آخرين لتسقط عنه التهمة بعد أربع سنوات من المحاكمة لتزداد المقاومة ضد التفرقة العنصرية خاصة مع ظهور قانون الهويات الجديدة وتحديد أماكن للسود فقط للعمل والإقامة.

المؤتمر الأفريقي الوطني للشباب الذي تم حظره عام 1960 أصبح عمل مانديلا السري، مما زاد التوترات القائمة مع ارتفاع أصوات المناهضة للتمييز العنصري، خاصة بعد مجزرة شاربفيل التي راح ضحيتها عدد من السود برصاص الشرطة ليبدأ مانديلا بعد عدة حوادث عنصرية حملته للتخريب الاقتصادي حتى ألقي القبض عليه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم بالتخريب والتحريض على العنف ليتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

لم يترك الشباب الأسود حلم مانديلا بل واصلوا حملتهم ضد العنصرية وحكم البيض وانتفاضتهم التي شارك بها الأطفال وطلاب المدارس وراح ضحيتها المئات بسبب عنف الشرطة، بينما كان الصديق تامبو في المنفى يدفع بحملة لإطلاق سراح مانديلا مما دفع المجتمع الدولي للتحقيق في الأمر وفرض عقوبات على جنوب أفريقيا وإطلاق سراح مانديلا وبات الحديث عن نظام ديموقراطي يقوم على تعددية عرقية أمرًا محللا.

شهد نيلسون اعتراف العالم به عندما حصل على جائزة نوبل للسلام 1993 لينتخبه شعبه ولأول مرة لرجل أسود كرئيس لجنوب أفريقيا لينهض بفقرائها ويقضي على الفساد بالمدن.

باتريس لومومبا

“المجد الأبدي للمقاتلين من أجل التحرر الوطني، ويحيا الاستقلال والوحدة الأفريقية، وتحيا الكونغو مستقلة وذات سيادة”.

“كتلة من الوطنية المستعرة” هكذا وصفوا المناضل والمثقف الأفريقي باتريس لومومبا، والذي شهدت أرض الكونغو ولادته1925 لأحد أبناء النخبة الكونغولية التي تلقت تعليمًا جيدا تحت الاستعمار البلجيكي المتحالف معها، عمل لومومبا موظفا بالبريد والتحق بالحزب الليبرالي البلجيكي في شبابه حتى كون مع أصدقائه حركة وطنية مؤمنة بالوحدة الأفريقية متأثرين فيها بأفكار كوامي نكروما زعيم غانا. كان أول اعتقال سياسي للومومبا بسبب تنظيمه مظاهرات نظمها ضد استعمار بلجيكا لبلده.

كتب لومومبا عشرات المقالات الحماسية الموثقة ضد المستعمر وصلت للصحف الخارجية وكان لا يرضى بالحلول الوسطى مما سبب دخوله المعتقل أكثر من مرة لاقى فيها تعذيبًا وإهانة ما لبثت أن دفعته لمواصلة أنشطته ضد الاستعمار وحشدت حوله أنصارًا لقضيته، مما أنذر بلجيكا بقرب ثورة إن لم تتفاوض مع لومومبا حول مصير بلده ليؤول الاتفاق إلى استفتاء شعبي عام بالكونغو حول الاستقلال تحت رقابة دولية ليحصل لومومبا على 90% من أصوات الكونغوليين رغم الجهود القائمة لتزوير النتائج ويصبح رئيس وزراء حكومة الكونغو عام 1960 إلى جانب رئيس جمهورية هش لتكون القوة بيد لومومبا.

أصبحت شعبية لومومبا كابوسًا بلجيكيًا ودوا التخلص منه حتى اعتقلوه ثم جاء إعلان كوامي نكروما للأمة بأن لومومبا قد اغتيل في ظروف غامضة لتشير الأدلة لتورط الحكومتين البلجيكية والأمريكية مع غلق القضية لتفتح بعد 50 عاما من اغتياله ليثبت اعتقاله ونفيه لإقليم منشق وقاموا بتعذيبه ثم إطلاق الرصاص عليه والاحتفاظ بأسنان فكه للذكرى مع واحدة من الرصاصات التي اخترقت جسده.

كوامي نكروما

“إننا نريد من الشعب أن يخلص في عمله وأن يتعلم كل شيء استعدادًا للتضحية. إننا ضعاف بدون تلك القوى التنظيمية والوحدة هي القوى الديناميكية التي تساعد في نجاح أي خطة كبرى”.

أحد دعاة الوحدة الأفريقية والمتصدون للاستعمار البريطاني بالقارة. ولد عام 1909 ليكون كوامي نكروما، الشاب الغاني الذي عمل بالتدريس لعدة سنوات حتى استطاع السفر خارج غانا ليدرس الاقتصاد وعلم الاجتماع بجامعة لنكولن الأمريكية ومنها عرف زملاءه بقضايا قارته أفريقيا حتى انتخبوه رئيسا لمنظمة الطلاب الأفارقة بأمريكا وهو نفس ما لاقاه في بريطانيا أثناء دراسته ليصبح رئيس اتحاد طلبة غرب أفريقيا.

عاد نكروما لغانا برغبة في التغيير والإصلاح ليبدأ دوره النضالي بتأسيس صحيفة “إيفنينج نيوز” ونشر فيها آراءه السياسية مع حزب الشعب الجماهيري الذي رفع له هدفًا واحدا هو حكم شعب غانا لذاته مما تسبب في تعرضه للاعتقال بعد مظاهرات حاشدة شهدتها البلاد مطالبة بالاستقلال، اتهموه بتنظيمها وجمدوا أعمال حزبه الذي استمر سريًا حتى فاز بالانتخابات التشريعية بمرشحه نكروما مما أرغم السلطة البريطانية على الاعتراف بقوته والإفراج عنه ليصبح رئيسا للوزراء.

شهور قليلة وأعلنت غانا استقلالها عام 1957 وأصبح نكروما أول رئيسا لها ليعمل بجدية على حفظ الاستقرار ودفع بلده للأمام بمشاركة رفاق الثورة والمعتقل، والسعي لتحقيق نفس الأهداف بالبلدان الأفريقية لينشئ منظمة الوحدة الأفريقية مع أحمد سيكوتوري رئيس غينيا.

ترك نكروما الرئاسة لتعتل البلاد من بعده حتى وفاته في 1972، وترك كتبًا تحكي عنه من أهمها “غانا” و”الاستعمار الجديد” و”اتكلم بحرية” و”يجب أن تتحد أفريقيا”.

غوفان مبيكي

“ومرة أخرى أجد حياة فقيرة يعيشها السود أينما ذهبت، في المدينة والضواحي، تلاحقنا الشرطة دائما لتتحقق منا ومن متعلقاتنا بحثا عن أي شيء غير شرعي تماما مثل وجودنا، فبالتأكيد لم يكن هناك ما يثير الغضب يوميا مثل هذا التفتيش وهو ما دفعني للنضال ووضع حد لمثل هذا النضال”.

لقبوه “صانع الثورة”. فقد ظل محاربًا ثوريًا ومربيًا وقائد شعب على مدى عقود عديدة متحليا بصفات نادرة من التفاني المطلق لقضايا ملايين المضطهدين والمستغلين، ولد غوفان في ترانسكاي –المقاطعة التي ولد بها مانديلا-عام 1910 وعاش مع الفلاحين ومشكلات الغالبية العظمى من الفقراء والشباب وتلك الموجودة في معظم قرى جنوب أفريقيا وقتئذ.

وكواحدة من أهم مصدري الحبوب والأصواف بيد عمال فقراء ظهر الذهب والألماس بباطن قرية ترانسكاي لتستقر ماديا وتبشر باقتصاد رأسمالي تسبب في خلافات دائمة بين العمال المهاجرين والإنتاج الرأسمالي، وهو ما اهتم به غوفمان وناقشه بمقالاته التي تدفقت بعد فصله من العمل كمدرس بسبب أنشطته السياسية بين الطلاب والمجتمع المحلي والنقابات العمالية.

أصبح غوفان متفرغا لأنشطته باتحاد الصناعة والتجارة وشكل أول حركة جماهيرية في جنوب أفريقيا من العمال السود وكرس نفسه للسياسة المحلية والكتابة وساعد صغار الفلاحين على تشكيل تعاونيات صغيرة لتحسين الإنتاج وحصر الموارد، وكان أيضا من أسباب تسميته “رجل الشعب” هو عمله على تكوين شبكات اتصال بالقرى الفقيرة.

بين عامي 1956 و1960 شهدت دول جنوب أفريقيا أشد وأعنف الاحتجاجات لأسباب عديدة منها تأييد الرئيس الكامل لأداء الحكومة والقبض على ممثلي حركات التحرر وسن قوانين ضد حقوق المرأة وزيادة الضرائب وإعدام ماشية الفلاحين وعمليات ترحيل قسرية لتخلف تلك الاحتجاجات 5 آلاف معتقل، كتب غوفان عن تلك الاحتجاجات في كتابه “جنوب أفريقيا.. قلب الثورة” والذي كتبه بداية على أوراق حمام السجن بانتظار محاكمته.

ظل غوفان مغمورا على الساحة السياسية لكنه ظل يعمل على تعبئة الجماهير وزاد من أنشطته السرية بالحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي وترأس فرعه بالكاب شرق جنوب أفريقيا ليبدأ النضال المسلح بعد استخدام المقاومة كافة الأساليب وتولى هو إدارته حتى قبض عليه هو ونيلسون مانديلا وولتر سيسولو ودنيس غولدبرغ وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة حتى إطلاق سراحهم وإجراء انتخابات نزيهة بجنوب أفريقيا، اختير على إثرها كرئيس لمجلس الشيوخ عام 1994

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *