2026 على الورق… لكن أين المواطن من ورقة التصويت؟

هاشتاغ _ عبد الحق بوخاري

يشكّل التحضير المبكر للانتخابات التشريعية لسنة 2026 محطةً دقيقة في مسار التحول السياسي المغربي، ليس فقط من حيث الترتيبات القانونية والتنظيمية، بل أساسًا من حيث الرهانات المرتبطة بعمق العملية الديمقراطية، وفي مقدمتها تحدي استعادة الثقة السياسية في زمن العزوف المتنامي، والانفصال الوجداني بين المواطن ومؤسسات الوساطة.

اللقاءات التي أطلقها وزير الداخلية مع قادة الأحزاب، تنفيذًا للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش، تعكس وعيًا استباقيًا لدى الدولة بأهمية التحصين السياسي للمشهد الانتخابي، غير أن هذه الدينامية الإجرائية، على أهميتها، لا يمكن أن تخفي الأسئلة البنيوية التي باتت تُلاحق العملية السياسية في المغرب، والمتعلقة أساسًا بـأزمة التمثيلية ومأزق الوساطة الحزبية.

إن قراءة المؤشرات الرقمية المرتبطة بالمشاركة الانتخابية، تُظهر بوضوح أن منسوب الثقة الشعبية في العملية السياسية يشهد تآكلاً متدرجًا منذ مطلع الألفية الثالثة، رغم محاولات الترميم التي عرفتها بعض الاستحقاقات، كما في 2011 أو 2021. فباستثناء الطفرة الظرفية التي شهدتها الانتخابات الأخيرة، بفعل دمج المحطات الثلاث في يوم واحد، فإن الاتجاه العام يكشف عن انحدار في الشرعية التمثيلية، وانكماش في الجاذبية السياسية للأحزاب، خصوصًا لدى فئة الشباب التي تُعبّر – عبر الأرقام – عن لا مبالاة متزايدة تجاه صناديق الاقتراع.

هذا الواقع لا يمكن اختزاله في قصور أدوات التواصل أو ضعف الحملات التحسيسية، بل هو نتيجة لتراكم اختلالات بنيوية مست نسق الوساطة السياسية، وساهمت في تفريغ التمثيلية من بعدها التعاقدي. فالنخب الحزبية لم تعد تُقنع، والخطاب السياسي لم يعد يُحمّس، والتناوب لم يعد يُنتج تحولات محسوسة، ما أدى إلى ما يمكن تسميته بـ”تسييس بلا سياسة”، أي إدارة حكومية تغلب عليها النبرة التقنية، المنفصلة عن الانتظارات المجتمعية، وعن روح المشروع الديمقراطي.

وفي هذا السياق، فإن الإشكال الحقيقي الذي يواجه انتخابات 2026 لا يكمن فقط في صعوبة رفع نسب التصويت، بل في إقناع المواطن بأن صوته يُحدث فرقًا. فالعملية الانتخابية، كي تكتسب معناها السياسي، يجب أن تكون أداة للتغيير، لا مجرد إجراء إداري لتدوير المشهد.

ولا يمكن الحديث عن إعادة بناء الثقة دون مراجعة حقيقية لمنظومة الوساطة، عبر تجديد العرض الحزبي، والانفتاح على طاقات جديدة قادرة على إنتاج خطاب سياسي صادق ومتجدد، يعترف بالأزمة، ويقترح بدائل واضحة. فالأحزاب لا تُقاس فقط بحجم أجهزتها، بل بقدرتها على تمثيل نبض المجتمع، وتقديم إجابات سياسية على أسئلته الكبرى.

في هذا الصدد، يجب التأكيد على أن الدولة، التي أبدت في محطات متعددة وعياً استراتيجياً بالتحولات الاجتماعية، مدعوة اليوم إلى أن تكون جزءًا من هذا التحول، لا مراقبًا له فقط. فالتدبير السياسي للانتخابات لا ينبغي أن يقتصر على الضبط الإداري، بل يجب أن يُفسح المجال أمام تنافس حقيقي، مفتوح، وتعددي، يُعيد الاعتبار للشرعية السياسية، ويُرسخ ثقافة المحاسبة والبرامج.

من جهة أخرى، لا بد من الاعتراف بأن مواجهة العزوف لا تتحقق بإجراءات موسمية، بل تحتاج إلى رؤية مؤسساتية طويلة الأمد، تتكامل فيها أدوار الدولة، الأحزاب، الإعلام، والمدرسة، في تأطير المواطن سياسيًا، وتغذية حسه بالمواطنة الفاعلة.

ختامًا، فإن انتخابات 2026 ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المغرب على الانتقال من الشرعية الإجرائية إلى الشرعية التشاركية، ومن المشاركة الشكلية إلى التمكين الديمقراطي الحقيقي. وهي لحظة فاصلة تتطلب شجاعة نقدية، وجرأة إصلاحية، لأن استمرار العزوف لا يعني فقط فتورًا سياسيًا، بل يُهدد، على المدى المتوسط، بفقدان التماسك المجتمعي والثقة في المشروع الوطني برمته. ومن ثمة، فإن تجديد السياسة لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية لضمان استمرارية النموذج المغربي في محيط إقليمي مضطرب وسياق دولي متحول.