خالد بوبكري
في وقت تستعد فيه بلادنا لاحتضان مونديال 2030، تبرز مدينة المنصورية كنموذج صارخ لمدينة فقدت روحها، بعدما التهمها اللوبي العقاري وحولها إلى غابة من الإسمنت بلا هوية، وبلا مقومات عيش كريم.
مدينة ساحلية جميلة تحولت في ظرف سنوات قليلة إلى تجمع عمراني خانق: لا فضاءات خضراء، لا مرافق ترفيهية، لا شوارع منظمة، ولا نظافة تحفظ كرامة السكان.
الساحل الذي كان يوماً متنفساً للزوار والسكان، أصبح محاصراً بالإقامات الإسمنتية. مشاريع تنبت كالفطر، تلتهم ما تبقى من المساحات الطبيعية، دون أدنى احترام لمعايير التعمير أو جودة الحياة.
الأحياء الجديدة تفتقر لأبسط المرافق العمومية: لا حدائق، لا ملاعب، لا مراكز اجتماعية، ولا إنارة كافية. طرق محفرة، أزقة ضيقة، ونفايات منتشرة في كل مكان.
ولم تتوقف مظاهر الإهمال عند هذا الحد، فالكلاب الضالة اجتاحت الشوارع بشكل مخيف، في غياب تدخلات جدية لحماية المواطنين، خصوصاً الأطفال والنساء.
ورغم أن مدينة المنصورية ستكون جزءاً من المشهد السياحي واللوجستي خلال مونديال 2030، إلا أن واقعها اليوم يبدو بعيداً عن الحدث العالمي.
فلا بنية تحتية مؤهلة، ولا تجهيزات حضرية قادرة على استقبال الزوار أو استيعاب حركة النقل التي سيولدها هذا الحدث الاستثنائي.
اليوم المفارقة صادمة: مدينة في قلب مشروع ضخم، لكن على هامش التنمية.
والسكان يرفعون اليوم شعاراً واحداً: نريد عامل الميدان… لا عامل الاحتفالات” فالصور الرسمية والخطابات البروتوكولية لم تعد تقنع أحداً.
والمواطنون يريدون مسؤولاً ينزل إلى الشارع، يرى الحفر، يسمع شكايات الناس، ويقف على انهيار الخدمات الصحية والتعليمية بصفة مباشرة.
فالأسواق عشوائية، والمستشفى الإقليمي يعيش وضعاً مأساوياً، المدارس متصدعة، والأحياء تعاني من تدهور الأمن والنظافة.
و فوضى عمرانية تمتد على حساب راحة السكان، وغياب رقابة حقيقية على ورشات البناء التي تنمو بدون رؤية ولا احترام للقانون.
أما المنتخبون فيصف السكان أداءهما بـ”المعدوم” في ما يتعلق بتقديم الإضافة لجعلها مدينة عصرية وحديثة، فللأسف لا مبادرات، لا مشاريع، لا تواصل، ولا رؤية.
والحقيقة المرة هو أن مدينة مثل المنصورية لا يمكن أن تُدارا بعقلية الغياب والصمت والفرجة من بعيد.
السكان اليوم يوجهون رسالة قوية: كفى من المسؤولين الذين يختارون الظهور… نريد من يعملون بصمت، ويواجهون هموم الناس بشجاعة.
المنصورية ليست حالة معزولة، بل مرآة لواقع يتطلب تغييراً عميقاً، وإرادة سياسية حقيقية، ومسؤولين يؤمنون بأن الميدان والمبادرة والابتكار هو الطريق الوحيد لاستعادة ثقة المواطنين.






