رهان المؤسسات في ظل جائحة كورونا

علي الغنبوري

من المؤكد ان الاجراءات التي اتخذها المغرب ، هي اجراءات استباقية و حاسمة ، جعلت منه محط اعجاب و تقدير من طرف مجموعة من الدول التي رأت في تجربته لمحاصرة و تطويق فيروس كورونا مثالا يحتذى به .

فما قام به المغرب من اجراءات و تدابير وقائية و اجتماعية و اقتصادية ،اكدت للكل ، النهج الاجتماعي للدولة ،و حضورها البارز في الحفاظ على لحمة المغاربة ،و تمكينهم من كافة الوسائل الضرورية لتجاوز هذه المحنة، انطلاقا من الموارد التي تتوفر عليها بالاضافة الى الالتفاف غير المسبوق حول قراراتها القاضية بالتضامن المجتمعي بين مختلف فئات الشعب المغربي .

كل هذه الاجراءات و التدابير الاستثنائية التي قامت بها الدولة المغربية في ظل هذه الظرفية الصعبة ، كان عنوانها الابرز ،الحفاظ على عمل المؤسسات ، و سيرورتها الطبيعة التي ينص عليها الدستور ، كل حسب اختصاصتها الموكولة لها .

فتدخلات الدولة و تدابيرها ،كلها كانت مؤطرة دستوريا و قانونيا ،ولم تبدي الدولة اي هامش لتعطيل هذه المؤسسات او القفز على مهامها ، و طغيان اي منها على الاخرى ، بل بالعكس فعمل المؤسسات اليوم هو عمل متكامل و منظم ، مما يعلي من سمو النص الدستوري ،و يبرز بشكل جلي وجود دولة الحق و القانون .

رئيس الدولة اليوم يقوم بمهامه التي اوكلها له الدستور ، في الحفاظ على سلامة الامة و سيرورة المؤسسات المغربية ، في تناغم تام مع كل المؤسسات الاخرى ، بدون اي هيمنة او استحواذ على ادوارها و مهامها، والحكومة تقوم بواحباتها و تدخلاتها ، بشكل عادي سياسيا و مؤسساتيا ، و في حفاظ تام على القانون و على مجالات تدخلها و عملها ، دون اي نزعة للتفرد و الاستحواذ ، و خاصة في المجال التشريعي ،كما ان المؤسسة التشريعية بمجلسيها ، تواصل عملها المتجسد في التشريع و مراقبة الحكومة ، و تعقد جلساتها و لجانها ، و تسائل الحكومة عن كل تدابيرها و اجراءاتها .

رهان المؤسسات هو رهان اساسي و محوري في مغرب اليوم ، و هو تأكيد على النهج الديمقراطي للدولة ، و خارطة طريق لشكل المغرب بعد هذه الازمة ، يؤسس لحياة مؤسساتية صلبة و متينة ، تهدف بناء الدولة القوية و العادلة بمؤسساتها و بفاعليها و بديمقراطيتها .

فاليوم اختفت كل تلك الاحكام الجاهزة و الكليشيهات النمطية ، التي كانت تدفع بصورية المؤسسات ، و بوجود دولة عميقة ، تعمل بمعزل و انفراد على هذه المؤسسات ، لتظهر الدولة موحدة بمؤسساتها و بفاعليها و بقوانينها و بخطواتها الإجماعية ، التي تكرس لمفهوم الدولة الحاضنة للكل .

اليوم كذلك سقطت كل التوجسات السابقة التي كانت تشكك في فعالية المؤسسات و في قدرتها على الفعل السياسي و التنظيمي، كما انهارت كل تلك الاطروحات الداعية الى اسقاط المؤسسات ،و اكتشف الجميع ، ان هذه المؤسسات هي الضامن الوحيد لقوة و مناعة المغرب.

ما نعيشه اليوم في ظل هذه الوباء القاتل ، هو لحظة مفصلية في تاريخ المغرب ، يجب ان تستثمر بشكل كبير في ترسيخ الايمان بالمؤسسات و بضرورة وجودها ، و بصدقية العمل على تطويرها و الحفاظ عليها و تقوية ادوارها .

هذا الايمان بدور المؤسسات لا يعني باي حال من الاحوال ، الاستكانة للنقائص التي تعاني منها او السكوت على الاختلالات التي تعتريها ، بل بالعكس فالنضال من اجل القيم و المبادئ التي يجب ان تؤطرها و تعيش في ظلها هو الاساس المتين لتقويتها و للحفاظ عليها .

لكن هذا النضال لا يجب ان يمس بجوهر الدولة و اسسها التي تقوم عليها ، و لا يجب ان يسعى الى اضعافها و ضرب مؤسساتها و التشكيك فيها و نزع الشرعية عنها ، بل يجب الانخراط داخلها ،و استثمار كل الامكانيات و الفرص التي يمكن ان تدفع الى تطويرها و تمنيعها و تحصينها .

فالمرحلة التي يقبل عليها المغرب ، بكل تحدياتها و مصاعبها الاقتصادية و الاجتماعية ،تقتضي من الجميع اليوم المساهمة الواعية و المتبصرة في تقوية الدولة و مؤسساتها ، في افق بناء المغرب الذي يعتز كل ابنائه بالانتماء اليه ، بعيدا على كل اشكال النزعات الذاتية ، و المزايدات السياسية الفاقدة لاي بعد وطني.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *