قليلا من التاريخ.. من البؤرة الثورية إلى نظرية الثورة في الغرب العربي (1)

الدكتور الامين مشبال

لقد غذى نضال الشعوب العربية بعد الحرب العالمية الثانية وفي خمسينيات القرن الماضي من اجل طرد الاستعمار الأجنبي ونيل الاستقلال الوطني، الشعور بالقواسم التاريخية والهوياتية المشتركة. وجاءت الحقبة الناصرية وصعود حزب البعث في سوريا والعراق، وتجربة الجمهورية العربية الموحدة ما بين مصر وسوريا من 1958 إلى 1961 لتجعل خطاب القومية العربية الحديث يعيش عصره الذهبي. فلقد اعتبر أن “الانتماء القطري” مفروض بحكم عوامل خارجية مرتبطة بالتدخل الاستعماري الذي قسم الوطن العربي إلى دويلات بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ أن الشام مثلا أصبحت تضم عدة بلدان كالأردن ولبنان وفلسطين،إضافة إلى سوريا.

في ظل هذا المناخ السياسي والايديولوجي الذي يطبعه الحماس والتطلع لبناء وحدة عربية، وإعادة الأمجاد، حصل المغرب على استقلاله، في حين كانت الثورة الجزائرية في بدايتها(نوفمير 1954)، فجعل المغرب من حدوده مع الجزائر، وتحديدا مدينة وجدة، قاعدة خلفية للمقاومة الجزائرية ولتهريب السلاح. بل أكثر من ذلك رفض المغرب دعوة الجنرال ديغول لمناقشة وضعية الحدود بين المغرب والجزائر، وانسحب من لجنة فرنسية مغربية مشتركة للنظر في مستقبل الأراضي المغربية التي اقتطعتها فرنسا من ترابه وضمتها إلى مستعمرتها الجزائرية، مفضلا الاعتراف بالحكومة المؤقتة الجزائرية وترك الملف للتسوية مع الأشقاء في جبهة التحرير الوطني. وقد عبر عن ذلك الموقف المغفور له محمد الخامس قائلا” إنه من غير وارد أن أتفاوض في هذه الظروف،فذلك سيكون طعنا من الخلف للجزائر المكافحة” (كتاب: ذاكرة ملك.ص 48).

وهو نفس الموقف الذي كانت تعبر عنه الحركة الوطنية المغربية التي كان جزءا منها غير راض عن اتفاقية إكس ليبان التي رسمت إطار استقلال المغرب، ونادت بمواصلة الكفاح المسلح رفقة جبهة التحرير الوطني الجزائرية بغية الحصول على الاستقلال في وقت مشترك وبناء مغرب عربي مشترك.وهنا لابد من الاشارة إلى مؤتمر طنجة لسنة 1958 الذي انعقد بحضور جبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب الدستور التونسي وحزب الاستقلال من المغرب ناقش مسألة الحدود والتراضي التي تم اقتطاعها من المغرب، وتم الاتفاق على التفاوض بشأن ذلك بعد استقلال الجزائر.

وستظهر التطورات فيما بعد أن “النزعة القطرية” أقوى وأمتن إذ ظلت الجزائر ترفض فتح باب الحوار مع المغرب وتعلن تشبثها بقدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار.

لم يمنع ذلك الموقف، لاحقا، قوى سياسية مغربية مناضلة من منطلق معاداة النظام الملكي وإستراتجية إضعافه تنسى دروس التاريخ، ومن منطلق الفكر”العروبي” ،إذا جاز التعبير، ا”التنظير” لتحرير الصحراء في إطار وحدة شعوب المغرب العربي. ونعني بذلك محاولة تيار “الفقيه البصري” مساندة الطلبة والمناضلين الصحراويين بزعامة مصطفى الوالي خلق “بؤرة ثورية ” في الجنوب المغربي تكون مدعمة عسكريا من نظام بومدين، وتتكامل في نفس الآن مع حرب العصابات التي كان يتم التخطيط لها والتي ستعرف لاحقا بأحداث 3 مارس1973.
واستمرارا لذلك التوجه سيعتبر ذلك الاتجاه في نشرته”الاختيار الثوري” (يناير 1976) أن تختزل حدثا تاريخيا بقيمة المسيرة الخضراء في كونه” وسيلة لامتصاص نقمة الجماهير من أجل حرب تحرير شعبية، وتغطية للتنازلات والمفاوضات على حساب السيادة الوطنية في تقسيم الصحراء”.

نفس المنطلقات التي ترفض الانطلاق من كون مصلحة الوطن أولا قبل أية اعتبارات أخرى، وتتبنى الرومانسية السياسية منهجا في التحليل والتعاطي مع الواقع السياسي عموما وقضية الصحراء خصوصا نجدها في أدبيات منظمة “إلى الأمام”. لكن قبل شرح تطورات موقف التنظيم المذكور من قضية الصحراء المغربية،أود الإشارة إلى أن أول موقف “رسمي” للتيار الماركسي-اللينيني، نشر بمجلة أنفاس (عدد مزدوج:دجنبر1971-يناير1972) بعنوان”فلسطين جديدة في قضية الصحراء” وفيه ورد” أنه يعتبر مغربية الصحراء أو جزائريتها أو موريتانيتها ..تدور في نفس الفلك التقسيمي الاستعماري”، ويختتم المقال بالدعوة إلى إقامة ” جبهة نضالية صلبة لمواجهة المخططات العدوانية والاستغلالية والتقسيمية والرجعية من أية جهة كانت”.
يتبع