علي الغنبوري
في مشهد مألوف و متكرر ، اطل علينا عبد الإله بنكيران ، الامين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ، عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك ، ليقول لنا رسالة مفادها ، ان حزبه يرفض التطبيع مع إسرائيل و لكنه لن يعارض هذا الامر ما دام جلالة الملك هو من اختار ذلك وأقره .
رسالة بنكيران لم تقتصر على هذا الخبر ، بل ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير ، حيث عاد بنكيران بحديثه الى المربع الاول للعبة التي يتقنها ، معتبرا الحكومة و عملها و اطارها الدستوري و اختصاصاتها على “قد الحال” ، و ان الملك هو من يهيمن على كل شيء و هو المسؤول عن كل شيء ، و ان العدالة و التنمية لا تعترض على ذلك بل تتفهمه و تتماشى معه.
وكما يقول القول المأثور ،فكلام بنكيران هو دس للسم في العسل ، فهو يريد ان يظهر ان حزب العدالة و التنمية و المسؤولين عليه جزء من الدولة و من استراتيجياتها و قراراتها ، يتفهمون ظغوطها و اكراهتها ، و لكنهم في نفس الوقت يقفون على طرف النقيض مع ما تقوم به ، و ان المسؤولية تقع على عاتقها لوحدها ، فهم ينصحون و لكنهم لا يخرجون عن الخط الرسمي للبلاد .
هذا الموقف العبثي ، الذي حاول بنكيران تمريره من خلال خرجته الأخيرة ، هو امتداد متواصل لنهج التضليل و الالتباس الذي دأب عليه هذه الحزب منذ صعوده إلى رئاسة الحكومة ، و هو كذلك توزيع مقيت للادوار بين طرف رسمي ملتزم بخطاب مضبوط الايقاع ، و طرف غير رسمي يطلق الكلام على عواهنه .
خرجة بنكيران ليلة أمس ، لم تكن كما يضن البعض انها لحظة من لحظات “سخونية الرأس “التي تعتري الرجل من حين لآخر ،بل أضفي عليها نوع من الرسمية الحزبية ،بجعلها في إطار استقبال للجهاز التنفيذي لاحدى مؤسسات الحزب، و اختيار توقيتها بالتزامن مع اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية و البلاغ الصادر عنه ، و ما حمله من رسائل خاصة بالانتخابات المقبلة ، و موقع الحزب داخلها.
هذا الإخراج الرديء ، ان كان يدل على شيء ،فهو يدل على نهج المقايضة الذي يحاول حزب العدالة والتنمية سلكه و فرضه داخل البلاد ، فهو يؤكد بسلوكه هذا ، ان كل القضايا لا تعنيه و لا تهمه ، و هو على استعداد لفعل اي شيء و للتخلي عن كل مبادئه و مواقفه و قناعاته ،في سبيل الحفاظ على موقعه الانتخابي و استمراره في السلطة .
فبنكيران ، يذكر بتضحيات العدالة و التنمية ، و بالتنازلات التي قدمها و بالمراجعات التي قام بها ، في سبيل الدخول الى المغرب الرسمي ، و الأمانة العامة للحزب ، تحدد الثمن و المقابل الذي يجب ان يدفع للحزب إنتخابيا ، من خلال القبول بشروطه و رؤاه الانتخابية المحضة ، و كان الامر يتعلق بعملية بيع و شراء ، فالحزب يبيع مواقفه و حضوره السياسي ، و الدولة التي اشترت هذه البضاعة ملزمة بالدفع الفوري ، حتى لا تفشل الصفقة .
ما يجب ان يتنبه اليه الكل، أن ما يقوم به حزب العدالة و التنمية اليوم ، و ان كان لا يستند إلى أي حقيقة سياسية أو أخلاقية ، فإنه في المقابل يرسم ضبابية خطيرة على المشهد السياسي ، خاصة و اننا على مرمى حجر من الاستحقاقات الانتخابية ، مما يزيد من الالتباس لدى المواطن المغربي ، و يكرس لنفوره و يبعده عن التأثير الفعلي في هذه الاستحقاقات، و يجنب الحزب العقاب الانتخابي، على كل ما قام به منذ توليه مسؤولية تدبير الشأن العام .
رصاص العدالة و التنمية الذي يطلقه في الهواء ، هو قفز على حصيلته الحكومية الكارثية ، و عن الارقام المخيفة و عن التراجعات المهولة التي يعرفها المغرب على شتى المجالات ، و التي لا يمكن للحزب نفي مسؤوليته عنها، و هو كذلك تجاوز مقيت لحالة الاحباط التي كرسها لدى عموم الشعب المغربي جراء تدبيره التخريبي للشأن العام ، إن على الصعيد الحكومي ،و إن على الصعيد المحلي .
المغرب اليوم بمؤسساته و بمكوناته المتعددة ،مطالب بالمضي قدما في تعزيز الاصلاحات السياسية ، و بفرض النموذج السياسي السليم ، غير الخاضع لمنطق الابتزاز و المقايضة ، المتجه بشكل حصري نحو بناء الوطن المتعدد و القوي ،القادر على كسب الرهانات و التحديات المصيرية التي تحيط به ، و تحدد مستقبله