رأي في القاسم الانتخابي الجديد!!!

علي الغنبوري

بات موضوع القاسم الانتخابي الجديد مادة دسمة لعدد من الفاعلين و المتابعين للشأن السياسي المغربي ، حيث يذهب عدد منهم للتفاعل معه من زاوية نظر جد ضيقة ، تفتقد لاي تحليل موضوعي أو ديمقراطي ، حيث يصر هؤلاء على حشر هذه الآلية الانتخابية الجديدة في زاوية الاصطفافات السياسية ذات النزعة الإعتراضية العدمية .

معظم النقاشات المثارة اليوم حول القاسم الانتخابي الجديد ، تنحو في اتجاه تجريد هذا الإجراء من أي صفة ديمقراطية ، و كان الامر يتعلق برأي و توجه شمولي يرفض اي نقاش و اي تفسير و تحليل ، يريد ان يقنع الجميع بمخالفة هذا القاسم الانتخابي الجديد للديمقراطية ، علما ان الديمقراطية بريئة من هذا الادعاء الفاقد لاي تعليل .

فاذا كانت الديمقراطية تقتضي تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه ، فإنها كذلك تفرض احترام توفر الأغلبية و مشاركة الشعب في بلورة هذه الأغلبية على أرض الواقع ،وفق الاليات الضامنة و المكرسة لها ، خارج اي قالب جاهز و نمط جامد غير قابل للتغيير و التطوير .

الديمقراطية كذلك تقوم على الشرعية و المشروعية ، حيث لا يمكنها السير و الوجود بدون هذين المفهومين معا ، فاذا فقدت أحدهما ، تدخل الى خانة الاختلال و الانحراف ،و تفقد معانيها و جوهرها ، و تتجه بشكل مؤكد نحو العبث و الفوضى ، فشرعية الانتخابات يجب ان تقوم بشكل اساسي على مشروعية المنظومة السياسية باكملها ، فلا يمكن ان نتحدث عن شرعية انتخابية في ضل غياب المشروعية عن المنظومة التي تجرى داخلها هذه الانتخابات.

حزب العدالة و التنمية الذي يشكل حجر الرحى في مواجهة اعتماد القاسم الانتخابي الجديد القائم على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية ،ينسى او بالاحرى يتناسى انه تصدر نتائج الانتخابات لولايتين متتاليتين في ظل مشاركة شعبية لم تتعدى في احسن أحوالها 40 في المئة ولم يحصل سوى على 27 في المئة من الاصوات في ظل هذه المشاركة الضعيفة، و بالتالي فهو يفرض نفسه على المنظومة السياسية باكملها في ظل شرعية انتخابية معيوبة و ناقصة و مشوهة ، لا تعكس واقع التوجهات الحقيقية للشعب المغربي .

من الطبيعي ان يصطف حزب العدالة و التنمية ضد اعتماد القاسم الانتخابي الجديد و ان يستعمل كل اسلحته لتشويهه و الطعن فيه ، فهو المستفيد الاكبر و الأول من الاختلال الذي كان يشوب المنظومة الانتخابية السابقة ، فاذا كانت معظم الأحزاب الوطنية تؤدي فاتورة هذا الاختلال ، فحزب العدالة و التنمية يقطف تمار هذا الاختلال الانتخابي لوحده، بالاعتماد على شبكة زبناء انتخابيين خارج اي منطق منافسة سياسية حقيقية و بالاعتماد على وسائل تأطير غير سياسية .

لم يعد اليوم بالإمكان الاستمرار في منطق انتخابي” عبيط” لا يساهم في تكريس اي تراكم ديمقراطي ، و يبقينا خارج اي مجهود لتطوير منظومتنا السياسية و جعلها أكثر جاذبية و اكثر اقناعا لانخراط غالبية الشعب المغربي ، تكرس لواقع سياسي مشوه و معيوب ، تتحكم فيه قوى ذات منطلقات غير سياسية .

من يريد تصدر المشهد السياسي المغربي، و فرض رؤاه و توجهاته عليه اليوم ان يتوجه إلى غالبية الشعب المغربي ،و ان يحصل على أغلبية اصواتهم ، و هذا ما يفرضه القاسم الانتخابي الجديد و يرمي اليه بشكل اساسي ، بالمنافسة يجب ان تكون بين مختلف الفاعلين على أغلبية اصوات الشعب المغربي و ليس على الأقلية .

الانتخابات هي الترجمة الفعلية لمشروعية المنظومة السياسية و للدولة ، ولا يمكن أن تبقى الدولة باعتبارها الحاضنة للكل ، رهينة توجهات أقلية ، تسعى للسطو عليها انطلاقا من تطويع و اعتقال الديمقراطية ،داخل سجن من المقاربات النرجسية و الأنانية ، البعيدة كل البعد عن المنطق الديمقراطي السليم و الحقيقي.

نحن اليوم مطالبون بالاستمرار في البناء الديمقراطي السليم ، الذي يرتكز على انخراط غالبية الشعب المغربي و مشاركته في فرز ممثلي و من يجسد اختياراته، و من يلبي طموحاته و تطلعاته ، وفق منظومة انتخابية أكثر عدلا و أكثر جاذبية، و أكثر قدرة على توضيح التوجهات الحقيقية للشعب المغربي .