اوروحو يكتب عن الضمانات الحقوقية والقانونية لحماية حرية الرأي والحق في التظاهر

بقلم ذ: خالد ارحو

تروم هذه المقالة/ المداخلة التي ساهمت بها في ندوة بدعوة من جمعية منتدى أنوال للتنمية والمواطنة بمدينة الناضور، لمقاربة محور أي دور للفاعلين الاجتماعيين والجمعويين في توسيع هامش الحريات والحقوق،وأشكال التعبير الجديدة؟ انطلاق من الإشكالية أو فرضية تسائل مدى قدرة القوانين أو المرجعية الوطنية و الاتفاقيات والعهود الدولية ذات الصلة،في توفير الضمانات الكفيلة بحماية حرية ممارسة هذه الحريات والحقوق والتمتع بها على ارض الواقع؟

شكلت الحريات العامة موضوع نقاشات قوية بين مختلف الفاعلين والمتدخلين، وهو أمر يعكس حيوية المجتمع، وتحركه نحو تحقيق المزيد من الهامش لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة وأن المغرب عاش خلال العقد الأخير على إيقاع تحولات اجتماعية كبيرة، وذلك بفضل انخراط المواطنين في عدد من الديناميات الاحتجاجية كتعبير على حرية الانتماء لفضاءات جديدة تسمح بقبولهم و المساهمة بآرائهم باعتبارها آليات وساطة تعبر عن إرادتهم الجماعية ومنفلتة عن النسق وباقي الوسائط.
ولمقاربة هذا الموضوع، سنخصص هذا الجزء الأول من المقالة/المداخلة، للشق المتعلق بالضمانات الدستورية والقانونية، على أن نعود في المقالة القادمة إلى الضمانات الحقوقية وأشكال التعبير الناشئة، وهو فصل منهجي تفرضه طبيعة ونوعية الندوة ولا يلغي العلاقة بين الإطار المرجعي والمعياري.

1. المقتضيات الدستورية المتعلقة بحماية الحقوق والحريات الأساسية.
قبل مناقشة أو مطارحة الأفكار التي تتعلق بهكذا موضوع، فإن المنطق يفرض علينا بالضرورة تحديد الإطار المرجعي والمعياري، حتى نتمكن من رسم الحدود والإطار العام، وذلك في تفاعل بين جميع عناصر ومكونات الموضوع.
لهذا فمنطق التراتبية في الضمانات المرجعية يفرض علينا بدوره العودة الى الدستور المغربي وخاصة في مقتضيات الفصل12 الذي ينص على الحرية في التأسيس، والفصل 25 الذي ينص على حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها والفصل 28 الذي ينص على أن حرية الصحافة والنشر مضمونة، وخاصة الفصل 29 الذي ينص على حرية التجمع والتظاهر السلمي …،فبالعودة إلى هذه الفصول، يتبين ان هناك تكرار لمصطلح الضمانة (مضمون) كلما ورد مفهوم الحرية او الحق، أي أن المشرع المغربي حين جاء بالتنصيص على مفهوم الضمانة لم يكن اعتباطيا، ولكن بغرض حماية تلك الحقوق والحريات وصيانتها من أي انتهاك أو خرق مفترض،وذلك حين جعل الأصل فيها هي الإباحة بلغة واضحة لا تدع أي مجال للشك والتأويل، أي ان على القوانين المنظمة ان تكون مستجيبة لهذا التطور الذي عرفه المغرب في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجب أن تفسر هذه الفصول إيجابيا لفائدة الأصل ،أي الحرية والحق، والتمتع بهما وليس عكس ذلك.

وفي هذا السياق، جاءت الفقرة الثالثة من تصدير الدستور مكتوبة بلغة متماسكة تنص على احترام المغرب والتزامه بالمواثيق الدولية، وتشبثه باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا،أي أن الديباجة شكلت مدخلا قويا جاء ليحافظ على تكامل هذه الحقوق والحريات، ويقطع الشك باليقين في الفصل بين التمتع بها من عدمه. وإن التذكير بهذه الضمانات الدستورية هو من باب التأكيد على التطور والتقدم النسبي في مجال حماية الحريات والحقوق الأساسية ضمنها الحريات العامة.

2 .المرجعية القانونية
لتعزيز المقتضيات الدستورية وترجمة روح فلسفتها على أرض الواقع، كان لابد من إحداث قوانين جديدة تتعلق بتنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات، نظرا لكون ظهير الحريات العامة لسنة 1958، الذي حاول من خلاله المشرع المغربي تنظيم هذا المجال، لم يعد قادرا على مسايرة التحولات العميقة والكبيرة التي عرفها تطور المجتمع ومعه الحقوق والحريات، لكن مع ذلك ولكي نظل متفائلين سنحاول الوقوف عند بعض نقاط القوة التي شكلت نقلة نوعية في التعاطي مع مرحلة تأسيس وتجديد الجمعيات،بحيث ينص الفصل 2 منه على حق تأسيس الجمعيات دون قيد أو شرط وكذلك مقتضيات الفصل5 التي تنص على نظام التصريح وليس الترخيص مع تحديد الكيفيات المتعلقة بتكوين الملف القانوني للجمعيات، وتمكين الجمعية من الوصل المؤقت في حينه على ان يسلم الوصل النهائي خلال اجل لا يتعدى 60 يوما على الأكثر، أي ان المشرع كان فاصلا في الأمر وبلغة صريحة بأنهلا يمكن للسلطة الإدارية المسؤولة عن نفاذ القانون بان تقوم بممارسة الرقابة القبلية أو البعدية، بل حصر دورها في التوصل بالملفات واحالة نسخة من الملف الى النيابة العامة المختصة للاستعمال عند الاقتضاء، وجعل السلطات القضائية هي الجهة المخولة قانونا البث في أي منازعة تتعلق بالأهلية القانونية، سواء في مرحلة التأسيس أو التجديد أو في حالة حل الجمعية الذي لا يكون إلا بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به.

وسيلاحظ المتتبع او القارئ، أن الأصل في التأسيس أو التجديد، هو الحرية وحق الفرد في الانتظام والانتماء الى أي جمعية سلمية لا تعمل على نشر أفكارها باستعمال القوة والعنف أو الإكراه أو التحريض على الكراهية او استعمال الدين، او تهدف الى الربح…، غير ان الممارسة على أرض الواقع توضح أن هناك المزيد من العراقيل التي لا زالت تعترض التمتع الفعلي بهذه الحقوق والحريات، وما ينتج عنها من حرمان الجمعيات من الصفة القانونية، إن هذه الوضعية وما يترتب عنها من مشاكل لا تسعف الفاعل الجمعوي في ممارسة الأدوار المنوطة به كشريك في تأصيل قواعد الديمقراطية التشاركية، والتربية على المواطنة ومحاربة جميع أشكال ومظاهر التمييز.

ونشير في هذا الباب على سبيل المثال لا الحصر، وحسبما تم رصده عبر الجرائد والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وكذلك تقارير بعض المنظمات الحقوقية و المؤسسات الوطنية ( المجلس الوطني لحقوق الإنسان / مؤسسة الوسيط)، أن عددا من فروع الجمعيات والمنظمات المركزية، وبعض فروع الأحزاب والنقابات، وكذلك الجمعيات المحلية المختلفة الأهداف،لا زالت تعاني من التضييق بسبب ممارسة بعض الموظفين العموميين المسؤولين على نفاذ القانون الذين لا يتقيدون بالقانون، مما يمكن اعتباره سلوك لا زال يشده الحنين الى ماضي التسلط و التضييق على الحقوق المدنية والسياسية، وهو في تقديرنا تشبث إرادي، واعي، يرفض ويقاوم التقدم نحو المزيد من الانفتاح على ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان.

إن استمرار عدم امتثال واحترام بعض ممثلي السلطات الإدارية المحلية المكلفين بنفاذ القانون المنظم للحريات العامة في المغرب، سواء في الشق المتعلق بحرية تأسيس الجمعيات او عقد التجمعات والتظاهر السلمي، أصبح يثير المخاوف لدى الفاعلين الجمعويين والنشطاء الحقوقيين والنقابيين والسياسيين، ويعيد إنتاج علاقة اللا ثقة في الخطاب الرسمي،ويرفع من منسوب التشكيك والتخوف من المستقبل. عكس ما تذهب إليه البلاد من توجه نحو المزيد من التصديق على الاتفاقيات والبروتكولات والعهود الدواية على درب كسب المزيد من النقاط التي تحتسب للمغرب والمغاربة.
3 . المؤسسات الوطنية
وللتخفيف من حدة التوتر، وتعزيزا للمسار الديمقراطي والحقوقي، تم إحداث بعض مؤسسات الحكامة وحقوق الإنسان، نذكر منها مؤسسة الوسيط التي خولها القانون صلاحيات البث في المنازعات بين الإدارة و المرتفقين، التي ومن خلال تصفح تقاريرها يتوضح بشكل جلي حجم وعدد التوصيات الموجهة لممثلي السلطات الإدارية المحلية تحثهم فيها على ضرورة احترام المساطر القانونية، غير أن بعض توصياتها في موضوع المنازعة بين الجمعيات والسلطات المختصة لا تؤخذ بعين الاعتبار.

ولتشجيع الحوار والحيلولة دون وقوع التوتر، وتقوية دور الوساطة في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وتماشيا مع مبادئ باريس التي تعتبر الحد الأدنى للمعايير المؤسسة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وطبقا لأحكام الفصلين 161و 171 من الدستور، تم إحداث بموجب الظهير الشريف رقم: 19. 11. 1 المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة تقوم على التعددية والاستقلالية التي وحسب المادة 2 من قانون 15. 76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس، فإن هذه المؤسسة تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها… سواء مركزيا او جهويا ومحليا بفضل لجانها الجهوية.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة الى كون المجلس سبق أن أصدر مذكرتين ورفعهما إلى رئيس الحكومة السابق تتضمن آراءه الاستشارية حول حرية الجمعيات وحرية التعبير والنشر وهي متوفرة ومتاحة على بوابته الالكترونية الرسمية، كما يخصص المجلس حيزا مهما جدا في تقاريره السنوية لمحور الحريات العامة، وفي هذا الإطار يكفي العودة إلى تقريره الصادر سنة 2019 المشفوع بعدد مهم من التوصيات، سواء تلك ذات البعد الاستراتيجي أو أخرى ذات طابع آني تتعلق بضرورة احترام القانون، ويدعو السلطات المحلية إلى الحوار والتواصل و الانفتاح على منظمات المجتمع المدني التي تعتبر شريك موثوق لبناء الديمقراطية وحقوق الإنسان.

خلاصات أولية
نظرا لطبيعة المقالة التي لا تسمح من ناحية المنهجية بالتوسع أكثر في هذا المحور، فإن هذا لا يعفينا من الوصول إلى بعض الخلاصات القوية التي تتعلق بمساءلة هذه الضمانات سواء في حماية أو تعزيز الحريات والحقوق أو حول مدى قدرتها على مواكبة الأشكال الجديدة من هذه الحريات التي تعرف تطورا مستمرا. فمن بين الملاحظات القوية هو محدودية القانون في ضمان وحماية حق التمتع بممارسة هذه الحريات والحقوق، حيث لا زال عدد من الجمعيات تعاني من حرمانها من حقها في الأهلية القانونية، وعدم ترتيب جزاءات قانونية في حق المخالفين للقانون من ممثلي السلطات الإدارية.
كما أن هذه الممارسات المجانبة للقانون،تعمل على إضعاف دور الوسائط الاجتماعية من ضمنها جمعيات المجتمع المدني، وتعطيل مهامها في انجاز رسالتها المتعلقة بالمساهمة في النهوض بالديمقراطية والحكامة وحقوق الإنسان، وتشجيع المواطنين على الانخراط فيها.
لتجاوز وضعية الشد والجذب بين الفاعلين والدولة، ونظرا للتطور الذي عرفته المنظومة الحقوقية وأشكال التعبير الجديدة، واستمرارا للنقاشات السابقة التي قامت بها عدد من الديناميات، نقترح بعض المقترحات الاستراتيجية المهيكلة:
– ان يتم إعادة فتح نقاش وطني عمومي حول موضوع الحريات العامة، خاصة في شقه المتعلق بحرية تأسيس الجمعيات والتجمعات والتظاهر السلميين، بمشاركة مختلف الفعاليات والمنظمات المدنية العاملة والنشيطة في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مشاركة المؤسسات الوطنية وأكاديميين مختصين في ذات الموضوع.

– أن يكون الحوار الوطني محكوم بخلفية المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، حتى يتمكن المغرب والمغاربة من إعداد مدونة قانون تكون في مستوى كسب هذا الرهان، لتعزيز دور القانون كضامن حقيقي لفعلية التمتع بممارسة هذه الحريات والحقوق، وذلك تماشيا مع التطور والتقدم الذي يشهده المغرب في مجال حقوق الإنسان،والتوجه نحو المزيد من التصديق والانضمام على الاتفاقيات والعهود لتقوية وتعزيز الضمانات الكفيلة بحماية هذه الحقوق والحريات ضمن شمولية وكونية حقوق الإنسان.

– الانفتاح على التوصيات الصادرة عن الدراسات والتوصيات الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية، تعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها,

– تفعيل التوصيات الصادرة عن مؤسسة الوسيط من اجل تجاوز بعض الخروقات الصادرة عن ممثلي السلطات الادارية.

هوامش
1) ينص الفصل 12 من الدستور ” تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون … ”

2) الفصل 25 ” حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها …

3) الفصل 28 حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.
الحق للجميع في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء،بكل حرية، ومن غير قيد عدا ما ينص عليه القانون صراحة…

4 ) الفصل 29 ” حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.
5 ) الفصل 2 من الظهير الشريف رقم 376. 58 .1 كما جرى تتميمه وتعديله بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 283 .73 .1 بتاريخ 10 ابريل 1973 (يجوزتأسيس جمعيات لأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط ان تراعى في ذلك مقتضيات الفصل 5.).

6) ينص الفصل 5 كما تم تغييره بقانون 75.00 على: (يجب ان تقدم كل جمعية تصريحا الى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن مقر الجمعية مباشرة او بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال، وتوجه السلطة المحلية المذكورة الى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار اليها في الفقرة الثالثة وذلك قصد تمكينها من ابداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء) …

7) الفصل 7 من قانون الحريات العامة كما نسخ وعوض بقانون 75.00 المادة الأولى: تختص المحكمة الابتدائية بالنظر في طلب التصريح ببطلان الجمعية المنصوص عليه في الفصل الثالث أعلاه.
كما تختص أيضا في طلب حل الجمعية إذا كانت في وضعية مخالفة للقانون وذلك سواء بطلب من كل من يعنيه الأمر او بمبادرة من النيابة العامة.

8 ) ظهير شريف رقم 43-19-1 صادر في 4 رجب 1440 (11 مارس 2019) بتنفيذ القانون رقم 16-14 المتعلق بمؤسسة الوسيط. كما وافق عليه مجلس النواب ومجلس المستشارين.وحرر بالرباط في 4 رجب 1440 (11 مارس 2019)

9) تم تحديد مبادئ باريس في ورشة العمل الدولية الأولى حول المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان التي عقدت في باريس في 7-9 أكتوبر 1991. تم تبنيها من قبل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بموجب القرار 1992/54 لعام 1992، والجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 48/134 لعام 1993. تتعلق مبادئ باريس بوضع وعمل المؤسسات الوطنية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان.

10) صدر بتاريخ في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) ظهير شريف رقم 17. 18. 1 بتنفيذ القانون رقم 15. 76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. والذي صدر بالجريدة الرسمية عدد 6652 جمادى الآخرة 1439 ( فاتح مارس 2018).

11)العنوان الالكتروني لموقع المجلس الوطني لحقوق الانسان، وتوجد به منشوراته وآراءه الاستشارية وبعض الدراسات المنجزة وكل ما يتعلق به كمؤسسة وطنية https://www.cndh.ma

12 ) اصدر المجلس تقريره السنوي لسنة 2019 تحت عنوان “فعلية حقوق الإنسان ضمن نموذج ناشئ للحريات” ويمكن الوصول إلى هذا التقرير بسهولة من خلال الولوج الى الموقع الرسمي للمجلس المشار اليه أعلاه.