عبد السلام المساوي
ان تحقيق أهداف النموذج التنموي التي وضعها الدستور ورسم أولوياتها التقرير المرفوع لجلالة الملك وتضمنتها القوانين ، لا يرتبط فقط بحجم الصلاحيات الممنوحة للهيئات المنتخبة أو بمراجعة الهندسة المؤسساتية على المستوى الترابي ، بما يمكن من تحقيق الانسجام والتناسق بين السياسات القطاعية الحكومية ، والمخططات والبرامج المحلية ، بل يرتبط أولا وأخيرا بطبيعة النخبة المحلية التي ستقود الجماعات الترابية خلال الست سنوات المقبلة ، وحدها هاته النخبة من سيعلن ولادة أمل في مغرب ترابي جديد أو قتل ما تبقى من الأمل الى الأبد …وما حدث ويحدث هو قتل للأمل .
فلقد عاشت أكثر من 1500 جماعة ترابية حركة غير عادية استبقت يوم انتخاب رؤسائها ونوابهم ورؤساء اللجن الدائمة ، كل الأنظار اتجهت الى ما سيقرره الناخبون الكبار ، بعدما قال المواطن كلمته خلال الاستحقاق الترابي للثامن من شتنبر . ولئن كان الناخب عبر من داخل صناديق الاقتراع على ضرورة التغيير وإعطاء الفرصة للنخب الجديدة ، فإن هذا التوجه لم يمتد ليعكس تشكيل المجالس ، إذ تم الالتفاف على الارادة الشعبية بتحالف ثلاثي، استعمل مختلف الآليات القديمة لاعادة تنصيب الفاسدين ، واستعمال ابشع أساليب البلطجة لقطع الطريق على الكفاءات النظيفة ( ما وقع يوم 20 شتنبر ، ووقع اليوم ، 24 شتنبر بولاية الرباط ، نموذجا يدين تحالف الشر ) .
حينما توجه أكثر من 50 في المائة نحو صناديق الاقتراع للتعبير عن ارادتهم واختيار ممثليهم المحليين ، فإنهم كانو يفعلون ذلك لقطع الطريق أمام العدمية وخصوم الوطن ، لكن كانوا يفعلون ذلك أيضا لسد النوافذ أمام الأميين وسماسرة الانتخابات والوجوه القديمة المستهلكة المتابعة في قضايا المال العام .لكن الصورة كانت صادمة حينما وجد المواطن على رأس جماعته أو اقليمه أو جهته وجوها مثقلة بالمتابعات القضائية بسبب تدبيرها الترابي السابق .
وهكذا أصبحنا أمام مجالس ترابية لا تستحق الاحترام ، ولا تعكس توجهات الارادة الشعبية ، ولا يتوفر فيها أي مظهر من مظاهر الكفاءة .
ان ما حدث في انتخاب رؤساء المجالس ومكاتبها ، أساء للعمل السياسي وأفقد الارادة الشعبية معناها من خلال اعتماد أساليب مشينة ودنيئة ؛ تهريب وكلاء اللوائح لمستشارين الى فنادق وفيلات بعيدا عن عيون المنافسين ، واجبار من يحترفون الانتخابات المنتخبين على التوقيع على شيكات لحجز أصواتهم .
ان التغول الثلاثي تربى على الانتهازية والنصب والاحتيال ، واعتبار الانتخابات وتشكيل المجالس والجماعات فرصة ذهبية للريع والانتفاع من مناصب المسؤولية .
ان ما جرى، في هذه الأيام ، وجرى في الأيام الماضية مباشرة بعد اعلان النتائج ، لا يمكن وصفه الا بالفضيحة ، بل أكثر من الفضيحة ، حين اقتيد منتخبون مثل ” خراف ” في سوق النخاسة والبيع والشراء ، لتحصين الأغلبيات المريحة بوصاية من زعماء الثلاثي المتغول ، وحين نشطت الفنادق والفيلات و ” الفيرمات ” والمنتجعات الصيفية ، وتوزيع المال الحلال والحرام بسخاء ، واختلطت أطباق ” بصطيلة ” و ” الشواء ” ، بوعود المناصب والمسؤوليات والعضوية في الدواوين .
ويمكنك أن تطلع ، فقط ، على قصاصات الأخبار في الجرائد والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ، لتتأكد بأن كل ما حرثه الجمل في سنوات ، دكه في أيام ، بسبب منتخبين مصرين على هدم خيمة العرس على من عليها ، ومصرين على أن يبقوا مجموعة ” بلداء ” ، لا يفكرون أبعد من أرنبة أنوفهم .
لقد قطع المغرب أشواطا في ارساء نموذجه الديموقراطي ، وجعل من الانتخابات والتمثيل الوطني والمحلي والجهوي ، أسمى درجات خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم وإيجاد حلول لقضاياهم في الصحة والتعليم والشغل والقضاء والترفيه والبنيات التحتية ، وهو غير مستعد للتقهقر الى الوراء من أجل شرذمة من المنتفعين مكانها السجن ، وهو دور النيابة العامة المطوقة بواجب تحريك المتابعات في حق كل من ثبت عبثه بالمصلحة العامة للوطن .
لا يمكن تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد الذي يعول عليه لبناء المغرب ، بمثل هاته الممارسات البالية والشاذة ، فعودة الوجوه القديمة والفاسدة التي تتحمل مسؤولية ما الت اليه الأوضاع يعني الوصول إلى نفس نتائج الفشل وتكرار نفس الكوارث ؛ مقدمات فاسدة تؤدي إلى نتائج فاسدة .