عبد السلام المساوي
نتمنى أن يتحرك الذكاء المغربي الراغب في البقاء سليما معافى على قيد الحياة لكي يساعد بلدنا على اجتياز هذا المنعرج الخطير بسلام ، او على الأقل بأقل الأضرار الممكنة .
يهمنا هنا ان نشرح لبني وطننا ، ان المعركة اليوم هي المعركة لأجل الحياة ولأجل الحفاظ على الحياة في مواجهة الفيروس اللعين .
أحيانا لا يكمن المشكل في الأفكار ، بل في طريقة نشرها والترويج لها ، وتسهيل وصولها الى المواطنين ، من هنا كان ينبغي على الحكومة أن تبذل مجهودات جبارة في التواصل والحديث مع المواطنين وشرح القرارات وتفسيرها بوسائل مختلفة ، حتى تصل الفكرة على نحو سليم وواضح .
نحن جميعا في وضعية دفاع عن النفس أمام جائحة كونية مدمرة أزهقت ملايين الأرواح ، وأصابت عشرات الملايين بمضاعفات حادة ، وخربت أعتى الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية تماسكا ، وأعدمت قطاعات إنتاجية ضخمة ، وخربت بيوتا ، وأغرقت لوائح العاطلين بمزيد من العاطلين .
ولم يكن المغرب استثناء من هذا الطوفان الوبائي ، الذي يقترب من سنته الثانية ، دون أي مؤشرات واضحة ، أنه سينتهي في الأشهر المقبلة ، إذ ما زال الحديث عن موجة رابعة وخامسة وربما سادسة ، وحديث آخر عن ” تواضع ” أنظمة الوقاية والتطعيم والمناعة التي ينبغي لها أن تتطور ، بتحور السلالات والفيروسات .
وبدخول قرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح الصحي يوم الخميس الماضي ، يقطع المغرب خطوة إضافية جديدة ، ومهمة ، وحاسمة في مجال حماية صحة مواطنيه وأبنائه ، وتحقيق هدف الوصول إلى المناعة الجماعية .
هذه الخطوة الجديدة تندرج ضمن جدية حكمت مسار تعامل المغرب مع وباء كورونا منذ ابتلاء العالم كله به . يومها قرر بلدنا بقيادة جلالة الملك أن كل شيء يمكن أن ينتظر الا صحة المغاربة .
لذلك سجل المغرب سبقا وتميزا كبيرين في تلقيح مواطنيه ، وسجل تفردا كبيرا في توفير اللقاح بكميات وفيرة في الزمن الأول لظهور الوباء ٠
يومها كانت دول تعتبر نفسها أكبر وأفضل وأكثر تقدما تعاني من عثرات كثيرة في التعامل مع الوباء ، وكانت تطرح السؤال بقلق عن الطريقة التي مكنت هذا البلد ” النامي ” من تحقيق هاته الانجازات في ظرف عسير وخاص جدا هو ظرف كورونا الطارئ .
المغرب الذي خرج من امتحان الوباء مرفوع الرأس مثلما قال جلالة الملك في خطابه الأخير هو المغرب الذي فهم أن التعامل الذكي والحكيم والرصين مع امتحانات قاسية وطارئة مثل هاته هو الفارق بين الدول العريقة الموغلة في التحضر وفي ” منطق الدولة ” ، وبين الآخرين، كل الأخرين.
وطبعا هنا لا مفر من التنويه بالتعامل الحضاري لغالبية أبناء شعبنا الساحقة ، إذ فهمت المغربية وفهم المغربي أن نجاح المغرب في مقاومة الوباء ، لن يتم الا بانخراط مواطن ووطني من طرف الشعب كله في هذا المجهود الذي عاد علينا جميعا بالنفع العميم .
لذلك ننوه بخطوة اقرار إجبارية جواز التلقيح في كل مناحي الحياة ، ونطالب بالمزيد من الجهد للوصول إلى هدفنا : مناعة جماعية تقي بلدنا شر هذا الوباء ، وتعيد عجلة اقتصادنا الى الدوران العادي ، وتجعل محنة كورونا في نهاية المطاف مجرد ذكرى كانت درسا نفعنا للاستفادة في كل المجالات من قسوته .
واذا كان طبيعيا أن يثير فرض هذه الوثيقة جدلا قانونيا ودستوريا في مجتمع حي يتفاعل مع الأحداث وتناقشنا ويضعها في الإطار الصحيح ، فانه من المهم أيضا أن نفهم أنه لا توجد أي وسيلة أخرى لحماية الأشخاص الملقحين من ” عدوى ” غير الملقحين ، غير هذا الجواز المعمول به في عدد من دول العالم ، كما يصعب ضمان استمرار الأنشطة الاقتصادية والتجارية والأنشطة الصناعية والانتاجية دون حماية ووقاية ، واحترام قواعد التباعد وارتداء الكمامة بشكل صحيح .
ففي المنعطفات العسيرة التي تمر منها المجتمعات ، وفي الحالات المطبوعة بالطوارئ والاستعجال ، لا بد من تقديم تنازلات قد تكون قاسية وصعبة في بعض الأحيان ، لكن مفعولها يشبه مفعول العمليات الجراحية ، التي تستأصل عضوا في الجسد ، من أجل بقاء الأعضاء الأخرى حية .
علينا أن نتمتع بقدر قليل من الواقعية تجاه وباء لا يستقر على شكل ولا يسمح بمساحات لاتخاذ القرار الهادئ وفي كثير من الأحيان فرضت ” دكتاتورية ” الوباء سطوتها على قرارات عالمية فبالأحرى وطنية . وفي اللحظة التي تناقش الجدوى من إلزامية الجواز الصحي هناك موجة جديدة للفيروس اللعين تجتاح بعض مناطق أوربا منذرة بإقامة طويلة للفيروس المتحور بيننا .
لذلك فالسياق الصحي الحالي يبرر تدابير استثنائية اذا بقيت محدودة في أجل مناسب ، وتوازن بين مخاوف الصحة العامة والحرية الشخصية .