عبد السلام المساوي
الحاجة اليوم ماسة لصحافة مواطنة ، جادة وجدية تنقل الأخبار الموثوق منها والصحيحة الى الناس تواكب هذا الابداع المغربي في مجال مقاومة العدو بوطنية وبتقدير حقيقين ، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان الصحافة . وهم كثر ….فهناك من يصر على أن يظل الوحيد الذي يستفيد من هذا الميدان غير المدر للدخل بالنسبة لأبنائه الأصليين ، الوفير الأرباح بالنسبة لعدد كبير من المتسلطين عليه …
أكثر من أي وقت مضى ، تبدو حاجة بلادنا الى صحافة وطنية مواطنة قوية حاجة كبرى وضرورية.
الحقيقة ، التي انكشفت في هذه الأيام أكدت حاجتنا لاعلام وطني ، مواطن ، قوي ، موجود في كل مكان من المغرب ، متمكن من المهنة وأجناسها وأدواتها ، حرفي التعامل ، سريع التجاوب ، لا يترك لأعداء الوطن ولا للطابور الخامس الفرصة مهما كانت صغيرة لترويج الأكاذيب .
هذا الاعلام نستطيع صنعه وتشجيعه اذا امتلكنا جرأة الايمان النهائي والتام بأن المعركة الإعلامية تسير مع المعركة السياسية ومعارك الوطن جنبا إلى جنب .
2_هناك مهنة قائمة بذاتها تسمى الصحافة يمارسها مهنيون يسمون الصحافيين ، يعرفون الفرق بين الأجناس المشكلة لهاته المهنة ، لا يكتفون بحمل الميكروفونات في أيديهم ومدها للجميع ، ولا يعتقدون أن مجرد التوفر على هاتف نقال جديد هو أمر يعطيك بطاقة الممارسة المهنية ، يمضون أيامهم والليالي في مطاردة أخبار الكل هنا وهناك وفي التأكد من هاته الأخبار ، أو نفيها قبل نشرها على العموم .
يشتغلون في هيات منظمة تعطيهم مقابل الحرفة التي يمتهنونها ، وتؤدي الضرائب الكثيرة والواجبات الأكثر ، وتلتزم بقوانين عديدة ، وتخضع لضوابط لا حصر لها ، وتعاني من منافسة غير شريفة اطلاقا مع الفوضى العارمة وحواسها التي ضربت الميدان في مقتل منذ سنوات كثيرة .
بح صوت المهنيين وهم يقولون ” اننا نحتاج صحافة جادة وجدية يصدقها الناس حين الضرورة …” .
ضاعت الحبال الصوتية للمنتمين المساكين لهاته المهنة يصرخون ” حكاية المواطن / الصحافي في هاته التي يختفي عددكبير من النصابين والأدعياء خلفها لن تؤدي بنا الا الى الهلاك ” ، أصيب المهنيون اخيرا بالخرس بعد أن فهموا ألا احد يريد تصديقهم وهم يقولون بديهية صغيرة : ” الصحافة مهنة ولا يمكنها أن تكون حظيرة تجمع كل من هب ودب ” .
اليوم ، ها نحن نشرع في الاستيعاب المؤلم لهاته البديهية ، والدولة تشرع في الضرب بيد من حديد على كل من يستسهل نشر أي شيء دون ان تتوفر له أية خاصية من خاصيات النشر وهذه لوحدها مسألة إيجابية ومطلوبة .
اليوم هاهي القنوات التي كان الجهة يسمونها ” المؤثرة ” والفاعلة في الأنترنيت المغربي تضربنا بسفاهتها وهي تتندر في وباء خطير يهدد الخلق اجمعهم ، أو وهي تعتقد ان الشهرة الزائفة التي أصبحت لها تعطيها الحق في أن تكذب على الناس ، وفي أن تروع الناس ، وفي أن تختلق الأخبار مثلما دأبت على ذلك منذ القديم ، سوى أن الموضوع هاته المرة لا هزل فيه ولا لعب .
اليوم ها نحن نفهم ان خاصية ” اللايف ” المتاحة لك في مواقع التواصل الاجتماعي لا تعطيك لوحدها شرعية مخاطبة الناس اذا لم تكن تتوفر على مؤهلات مخاطبة هؤلاء الناس .
لا يكفي أيضا أن تصور لنا روتينك اليومي من الخلف _ أعز الله قدر الجميع _ ولا ان تصطنع لك ميكروفونات مضحكة ومخجلة تمدها للجميع دون اي عملية تصفية أو تنقيح وأن تكتب تحت رداءتك ” عاجل ، فضيحة ، أنظر قبل الحذف ، أنشرها ولك الأجر ” .
أهل المهنة الحقيقيون ، وهم يرون الناس تعود الى المرتكزات الأولى ، وتحاول أن تبحث عن الخبر الحقيقي من مصادره المعتد بها ، والتي صنعت على امتداد التاريخ جديتها وبصمتها يحسون بنوع من إعادة الاعتبار اليهم بعد أن تم قصفهم طيلة السنوات الأخيرة التي مرت بعبارة ” ماتت الصحافة التقليدية ” ، ” الزمن اليوم هو زمن البوز أيتها الديناصورات ” ، ” هؤلاء المؤثرون الجدد أصبحوا صحافة الوقت الحالي ، لقد مضى عهدكم أيها القدامى ، ناموا في قبوركم …”
العديدون ازدردوا حزنهم على مضض ، وواصلوا العمل وفق الطريقة التي تعلموها وأحبوها واحترموها وقالوا في قرارة أنفسهم : اذا كان ضروريا ان يقال لنا اننا متنا فلنصحب معنا مهنتنا الى القبر ، لن نتركها لهؤلاء الجهلة لكي يعربدوا فيها مثل ما يشاؤون ” .
اليوم ومع هذا القادم من حيث لا ندري ، يكتشف الناس ان الجهل رعى اوبئة كثيرة في ميادين أخرى وعمل كل ما بوسعه لكي يعتقد الناس أنها ليست خطيرة على صحتهم ، قبل أن نشرع شيئا فشيئا في اكتشاف العكس تماما .
نؤمن ان الزمن القادم ، بعد زوال الوباء سيحمل معه الى زواله كثيرا من الأدعياء والمتسللين ومنتحلي الصفات عنا ، وسيعيد الى هذا الميدان قليلا من الاحترام الذي كان عليه ، وسيجعل من المتعففين من أبنائه الأصليين وجوهه اللامعة ، وسيلقي بمن تطفلوا عليه كل هاته السنوات الى حيث يجب أن يكونوا ..