بقلم: سعيد كان
سفيرة جزائرية لدى اليونيسيف، تتلعثم في الكلام وتعجز عن قراءة كلمة مكتوبة وتصاب بنوبة ارتباك حادة منعتها من مواصلة الحديث مرات متكررة…
هكذا يقول الخبر المتداول على نطاق واسع، والمدعوم بشريط فيديو يؤكد الواقعة، ولكن…
بحث صغير حول الخبر، كفيل بأن يظهر أنه يتعلق ببطلة بارا أولمبية، عينت سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، وأنها ليست سفيرة معتمدة ولا تمثل الديبلوماسية الجزائرية، فالمنصب فخري لتشجيع بطلة أولمبية في وضعية إعاقة
المشكل أن الأمر استمر لأزيد من أسبوع في التداول والسخرية منها، والبعض وصل إلى درجة مقارنتها بوزيرة مغربية تتحدث الإنجليزية بطلاقة، والقول أن هذا الشريط يظهر الفرق بين مستويات مسؤولي البلدين، وتحول الأمر إلى حملة تنمر جماعية مستمرة مست نفسية البطلة ” شيرين عبد اللاوي”
الأمر بدئ بخبر زائف، تلقفه الكثيرون دون تدبر، فأدى إلى ردود أفعال تستوجب اليوم الاعتذار لهذه البطلة، البعيدة كل البعد عن أي صراع سياسي بين بلدين، حتى أننا رأينا محللا سياسيا مرموقا يروج للفيديو ويعلق عليه بشكل ساخر، مؤكدا الخبر الزائف، ومعطيا له مصداقية ما لبثت أن سقطت وسقطت معها مصداقية كل من روج له من قبل.
الحقيقة أنني بتناولي لهذه الواقعة، أريد فقط أن أسلط الضوء على ظاهرة الأخبار الزائفة، ففي زمن كثرت فيه وسائط التواصل، وأصبح التحقق من المعلومة أمرا أسهل، وقع العكس وازدادت دائرة انتشار الزائف من الأخبار والمعلومات، فما السبب؟
دراسة ميدانية قام بها باحثون في جامعة نيويورك وجامعة “غرونوبل ألب” في فرنسا، توصلت إلى أن الأخبار المضللة على منصة “فيسبوك” حصلت على 6 أضعاف كمية “الإعجابات” والمشاركات والتفاعلات، أكثر من مصادر الأخبار الموثوقة مثل شبكة “سي أن أن” أو منظمة الصحة العالمية، خلال الفترة الممتدة من غشت 2020 إلى يناير 2021.
دراسات قليلة أجريت حول تأثير الأخبار المضللة، ولكن الأكيد أن لها تأثيرا كبيرا على الحياة الخاصة للأفراد، في زمن تحولت فيه المعلومة إلى سلاح، يمكن به زعزعة استقرار بلد، أو تحطيم منتوج اقتصادي، أو حتى إشعال حروب أو التسبب بإبادات عرقية
المشكلة الأساسية هنا ليست فقط في صناع الأخبار الزائفة، لكن في الترويج لها، مثال آخر يحضرني الآن هو إبان انطلاق أزمة كوفيد 19 وحتى قبل وصولها إلى المغرب، ما كان حينها يصلنا من الأخبار من الصين، يحمل الكثير من التهويل والمبالغة، حتى قرأنا قصاصات عن أن الناس يتساقطون في الشوارع كالذباب، أما حين وصل الفيروس إلى المغرب فتلك حكاية أخرى.
حين ارتفعت حصيلة القتلى، ظهرت أخبار تقول بأن الأطباء يتقاضون مبلغا ماليا مهما عن كل ميت بسبب كورونا، وبالنتيجة، رأينا الكثير من الاتهامات تكال لنساء ورجال الصحة بأنهم يقتلون الناس عن عمد، ولعلكم تتذكرون غيرها من الشائعات والأخبار المضللة التي ظهرت حينها، وصلت حد الادعاء أنه سيتم رش التجمعات السكنية عبر الطائرات بمواد سامة، وطبعا هذه الأخبار كانت تنتشر بسرعة فائقة، لأن متلقيها لا يوقفونها عندهم، وإنما يقومون على الفور بتمريرها لآخرين، وهكذا يصبح المتلقون بالملايين، حتى اضطر القائمون على تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل واتساب وماسينجر إلى الحد من عدد الأشخاص الذين يحق للمستعمل مشاركة الملفات والروابط معهم.
جريدة الغارديان البريطانية، كانت في منتصف هذه السنة قد أوردت خبرا بأن مركز مكافحة الكراهية الرقمية (Center for Countering Digital Hate) الأميركي-البريطاني-الذي يعد منظمة غير حكومية بريطانية أميركية مشتركة – قد أصدر تقريرا يقول بأن الغالبية العظمى من المعلومات المضللة عن فيروس كورونا ونظريات المؤامرة المناهضة للقاحات ضد الوباء مصدرها 12 شخصا فقط، وحسب هذا التقرير، فإن الشخصيات الـ 12 التي تنشط عبر الإنترنت استطاعت جمع عدد من المتابعين عبر العديد من منصات التواصل الاجتماعي يتجاوز 59 مليون شخص.
ومن بين الشخصيات الـ 12 المسؤولة عن هذا المحتوى المضلل، حسب تقرير الغارديان، أطباء ولاعب كمال أجسام، ومدوّن مختص في المجال الصحي، ومتدين مسيحي متعصب، أما أبرزهم فهو روبرت كينيدي جونيور، ابن شقيق الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، الذي يرى أن هناك علاقة بين لقاحات كورونا ومرض التوحد، كما يرى أن هناك علاقة بين شبكات الجيل الخامس من الإنترنت وتفشي جائحة كورونا.
والأكيد أن هذه المعلومات التي يكون أغلبها باللغة الإنجليزية، يتم ترجمتها إلى لغات أخرى من بينها الفرنسية والعربية، لتصل إلى المتلقي في بلداننا، وتمزج أحيانا بإضافات من عند المترجم، لتصبح معلومة جديدة غير مدققة، يتم ترويجها بنفس الأسلوب عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
تخيلوا، 59 مليون متابعا، يتغذون على معلومات غير دقيقة، والأمر تطلب فقط 12 شخصا لترويجها، بمعنى أن المتلقي أيضا، هو جزء من المشكلة، لأنه لا يتحقق من المعلومات، ولا يتساءل عن صحتها قبل أن يمررها لغيره
ولكن لكي نكون منصفين، فالمتلقي ليس هو المشكلة الوحيدة هنا، فحتى منصات التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك، ليست بريئة تماما، ولعلكم تتذكرون التسريبات حول سياسة فيسبوك التي كانت ورائها الموظفة “فرانسيس هوجين” المستقيلة من الشبكة، والتي قدمت في جلسة استماع أمام الكونغرس الأمريكي معطيات خطيرة بشأن تأثير تطبيقات الشبكة الاجتماعية على المراهقين، ومدى انتشار الشائعات من خلالها، وتأثيرها السلبي على شيوع عدم الاستقرار ببعض مناطق العالم، دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تلك التأثيرات السلبية.
الموظفة كشفت عن بعض الدراسات أظهرت أن فيسبوك اتخذت إجراءات بشأن 3٪ إلى 5٪ من خطابات الكراهية على منصتها، وبشأن أقل من 1٪ من المحتوى المصنف تحت خانة “العنف والتحريض”. لأن هناك تضاربا بين مصالح المستخدمين، ومصالح فيسبوك، فمثل هذه الخطابات، هي التي يتم ترويجها بشكل أكبر، وبالتالي تحقق الأرباح للشبكة
حسب هذه المعلومات التي أدلت بها الموظفة، فإن شبكات التواصل الاجتماعي تستفيد من ترويج مثل هذه المواد، وليس من مصلحتها الوقوف أمامها أو اعتراضها، والمستخدم هنا هو الحلقة الأضعف، لأنه قلما يمتلك آليات التحقق من كل معلومة تصله، وكثيرا ما يتفاعل معها بعفوية،
لكن انتبهوا، هذه المعلومات والأخبار الزائفة سلاح خطير قد نساهم في حدة تأثيره دون أن نعلم، ويكفي أن نعرف أن ترويج الأخبار الكاذبة، يعتبر أمام القانون جرما قد يودي بصاحبه إلى المتابعة القضائية، وتجعل نقرة زر واحدة، قادرة على أن تقلب حياته رأسا على عقب
“إجعلها تتوقف عندك”… ربما تكون هذه العبارة البسيطة المكونة من ثلاث كلمات، هي المفتاح لمواجهة الأخبار الزائفة ولغة الكراهية والترويج للخزعبلات، لكن إلى أي حد نحن مستعدون إلى جعلها تتوقف عندنا، ولا تمر عبرنا إلى غيرنا من الناس؟
سؤال يعني الجميع، ولكنه أساسا يعني الشخصيات العامة، التي لها متتبعون وتدخل تحت خانة التأثير الاجتماعي، هؤلاء هم الذين لا أجد في نفسي القدرة على مسامحتهم حين يروجون خبرا زائفا ويمررونه إلى الناس
أخيرا، تكثر الأخبار الزائفة في أزمنة الأزمات، سواء كانت هذه الأزمات صحية أو سياسية أو من أي نوع، وفي زمن الأزمة يجب الحذر، لأن نقرة زر، قد تشعل فتيل حرب، أو تودي بحياة إنسان.