عبد السلام المساوي
المرأة التي تستحق منا ألف تحية ، ألف تقدير ، ألف احترام ….هي صفية ولا أحد غيرها …صفية بنت الأكابر …بنت الشجعان …صفية بلفقيه ؛ هي من رفضت تلطيخ يدها بمصافحة الصبيان؛ أدوات الغدر والخيانة …
يحق لنا أن نبتهج أن جهة واد نون أعطى هكذا ثمار
ليست من زمرة ” أولاد وبنات لفشوش “
اقتحمت صفية بلفقيه الوجود بكثير من الارادة وبكثير من الأمل …تأتي في زمن مغربي صعب وعسير …تأتي لتبشر بعودة ” السبع السمان ” منتصرة على ” السبع العجاف ” ، لتملأ ارضنا خصبا ، وبيادرنا حبا وحبا …تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للصحراء المغربية …جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم ، واحتفلنا بألحان صحراوية أصيلة..رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات ، الاعتماد على النفس ، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود….قد يكون الميلاد حلوا …انما المستقبل أحلى …تأتي صفية لتكسر الصمت وتحطم المألوف ، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي ، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة …لتسمو عن دونية الحريم وخسة ” العيالات والولايا ” وتعانق شموخ الانسان وكبرياء المرأة…
لسمية حضور قوي ، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مسار أسري وصحراوي…هي أصلا في البدء تربت على كره الغدر والنفاق …
وهي طفلة ، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة …ضايقت الوصوليين والوصوليات وأزعجت الانتهازيين والانتهازيات …سقط القناع عن القناع …المروءة هي الفيصل بين خسة الإنتهازية ورفعة صفية …أنها استثناء في زمن الكائنات المتهافتة …مترفعة في زمن الهرولة …واثقة في زمن التيه …
لم تستثمر نضال وزعامته والدها للتباهي وتضخيم الذات …مؤمنة بأن النجاح اجتهاد لا ريع …وأن النضال اختيار والتزام …تضحيات لا غنائم …
أسرة بلفقيه نزعت من صفية للأبد الاحساس بالخوف والاستسلام …زرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها بكرامة وكبرياء ، والمضي قدما مهما صعبت المسالك …أسرة زرعت فيها الصمود والتحدي …تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة …تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن العطف والحب مرارا…
منذ بداية البدايات عشقت المروءة والشجاعة…عز عليها ان تسقط فتستجيب لطيور الغدر والخيانة …عز عليها ان تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الوفاء مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على ان تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وان كان الزمن زمن خبث ومؤامرات…اذن فلا خوف علينا اذا ادلهمت بنا الافاق من ان لا نجد شابة أصيلة متأصلة تنبهنا وتهدينا …فان صفية التي أطلقت في زمن الصمت صرخة ، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد…
صفية بلفقيه…والعينان تعبران بالابتسامة عن التفاؤل والطموح والحب اللامشروط لهذا الوطن رغم الغدر لدى البعض والخيانة لدى الآخرين …
هي صفية بلفقيه …تحاصرها اسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها …بنت عبد الوهاب صاحبة قضية ، وعلى صفية ان تواجه الامواج والاعصار …فهذه قناعتها وهذا واجبها….وهذه مهمتها..والا فليرحل من هذا العالم الذي هو في حاجة الى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى صفية ترى الاشياء …وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من انفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون ، وبين التين والزيتون ، امنت صفية ان النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين ، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي هويتها …التحدي هو سيد الميدان …وقفت صفية فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للغدر والخيانة …انها بنت عبد الوهاب بلفقيه …
تحمل اسم بلفقيه وهذا ما تعترف به وتعتز به ، هي صفية اذن ،لم تسقط حسبا ونسبا على الوجود …بل فرضت حضورها وفاء وشجاعة …
صفية بلفقيه في عمر الزهور ، …هادئة بقوتها …قوية في هدوئها …
هي صفية ، اذن ، حداثية بموروث ثقافي …حداثية بموروث مغربي أصيل.. مناضلة بقناعاتها …وما اسهل تاقلمها في المجال اذا ارادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر او قرار …تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …وتقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان …لم تسقط سهوا على الشموخ…هي نجلة عبد الوهاب بلفقيه …هي من رضعت الأنافة في معبد الشجعان
و منذ طفولتها كانت صفية امراة ممسكة بزمام مسار حياتها ، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك ، تشق مجراها بصبر وثبات…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود ، بالجدية وشيء من الشغب ،تصطحب ظلها لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات ، لعناق الامل ، ودائما تحمل في كفها دفاتر وورودا ، وفي ذهنها أفكار ومبادرات ، وعلى كتفها مهام وأحلام ، فهي تكره الفراغ…ان الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والاحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …وتقول صفية:” لا تهمني الحفر ولا اعيرها اي انتباه ” …منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، في التحدي والصمود …
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية …تكره الأسلوب المتشائم ولغة الياس والتيئيس …لا…هي امرأة جد متفائلة ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل …وهذا الطموح …وهذا الحب اللامشروط للمغرب رغم الكابة في السماء والأسى لدى الاخرين …قد يكون الماضي حلوا إنما المستقبل احلى…
ارتشفت ثدي الكرامة ونهلت من حليبها ، وتشبعت بمبادئها وقيمها الإنسانية …
صفية بلفقيه مواطنة وطنية… انها صحراوية ….انها مغربية…. تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ …اختيارا لا قسرا …تنسجم بيد أنها لا تذوب …هي ذات فرادى واختلاف …تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم ، وتعود مثقلة بالتجارب والمعارف لتبشر بغد جميل لمغرب جميل …
لا يمكن أن تحشر في زمرة ” اولاد وبنات لفشوش ” ، فهي ليست منهم ، لأنها محصنة ، ولكنها تعرف ان الطريق ألغام وكوابيس …وقائع وانفجارات ..دسائس واشاعات …لهذا تمضي بحكمة وثبات …تفضح الكوابيس وتنبه الى صخبها …تنبه إلى الاغراءات وتحذر من مخاطرها …لترتفع إلى مقام المسؤولية الملتزمة ….وليست منهم لانها رضعت الاناقة والانافة في معبد الشجعان …فاسمحوا لي ان أعلنها صاحبة قضية….