البشير الحداد الكبير،باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة(تخصص القانون العام)
تحل يوم 22 دجنبر 2021 الذكرى الأولى للإتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهي محطة تاريخية نستحضر من خلالها أبعاد هذا الإتفاق التاريخي الإستراتيجي.
مما لا شك فيه أن الإتفاق السالف ذكره ساهم في مرتكزين أساسيين:
+”المرتكز الأول هو تعزيز السلام بالمنطقة الإقليمية” :
كما هو معلوم أن الوضع الإقليمي غير مستقر يشهد أزمات( حروب أهلية،إرهاب، تطرف، إنتشار كثيف لجماعات مسلحة… إلخ)،فالمغرب له دور إستراتيجي تاريخي مهم في تعزيز السلام، ومن هنا فالإتفاق الثلاثي سيعزز من هذا الدور، خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية لها علاقات قوية ووطيدة مع المغرب أساسها الثقة المتبادلة بإعتباره بلدا للسلم والسلام وثانيا لجهوده الكبيرة في تعزيز الأمن بالمنطقة الإقليمية.
فبعد مرور سنة من هذا الإتفاق، شاهدنا آثاره، أولا من خلال اختيار المغرب في يونيو 2021 بلدا لمناورات الأسد الإفريقي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي جرى جزء منها لأول مرة في الصحراء المغربية وهذه ترجمة واقعية للإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بتاريخ 10 دجنبر 2020 ،ثم أن اختيار المغرب لم يأتي عبثا نظرا لموقعه الإستراتيجي وللثقة الأمنية العسكرية الدولية التي يحظى بها لاسيما من طرف أقوى دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن ننسى مناورات بين هذه الأخيرة والمغرب خلال هذه السنة بعد مناورات الأسد الإفريقي وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الوزن الدولي للمغرب ومكانته المهمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد توقيع الإتفاق الثلاثي المغربي الإسرائيلي الأمريكي،تم تتويجه بتوقيع مذكرة تفاهم بين المغرب وإسرائيل همت تطوير المنظومة الدفاعية للمغرب ثم الجانب الإستخباراتي لاسيما الأمن السيبراني، دون أن ننسى شيئا مهما أن هذه المذكرة الموقعة ستعود بالنفع على المحيط الإقليمي وستعزز من السلم فيه، لاسيما أن إفريقيا تعاني من أزمات عديدة ومن تحديات كثيرة، والمغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أسماه الله وأعز أمره سيساهم في مواجهة هذه التحديات، خصوصا أن له علاقات وطيدة تاريخية مع دول الساحل، ونعلم أن العديد من الدول الإفريقية تعاني من تحدي أمني خطير ألا وهو الإرهاب خصوصا بعد تنامي جماعات مسلحة بدول الساحل والصحراء، فالمغرب بكل تأكيد يعتبر مدرسة دولية في محاربة الإرهاب تحت القيادة الرشيدة للمؤسسة الملكية والمجهودات الأمنية بقيادة كل من السيد محمد ياسين المنصوري المدير العام للمديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) والسيد عبد اللطيف الحموشي(المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي)، فالمغرب يحظى بثقة دولية في مجال محاربة الإرهاب والتطرف بإعتماد إستراتيجية حكيمة متعددة الأبعاد(أمنية، دينية، إقتصادية، إجتماعية،حقوقية) ولعل رئاسته للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب واختياره هذه السنة لرئاسة اجتماع التحالف الدولي لهزيمة داعش ببروكسيل بتاريخ 2 دجنبر 2021 خير دليل على ذلك بالإضافة إلى الإشادة الأمريكية بالإستراتيجية المغربية في مكافحة الإرهاب، دون أن ننسى شيئا مهما كذلك أن المغرب من خلال مناورات الأسد الإفريقي عزز من قدرته العسكرية والأمنية لمواجهة مثل هذه التحديات، خصوصا أن هذه المناورات هدفها واضح مواجهة التحديات الأمنية في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، فالمغرب بإعتباره فاعل حيوي ومهم، فمن خلال مذكرة التفاهم بينه وبين إسرائيل، سيعزز من السلام بإفريقيا وفي المحيط الإقليمي ككل ولقد سبق لجلالة الملك حفظه الله أن أكد في خطاب ثورة الملك والشعب هذه السنة على الدور المحوري للمغرب في تعزيز السلم والأمن بالمحيط الإقليمي.
+”المرتكز الثاني هو الجانب الإقتصادي” :
مما لا شك فيه أن الإتفاق الثلاثي المغربي الإسرائيلي الأمريكي سيكون له تأثير على الإقتصاد، وقد لاحظنا أنه ركز على قطاعات مهمة التجارة، السياحة، الفلاحة، الإستثمار، الطاقة، البيئة، دون أن ننسى البحث العلمي كذلك.
إرتفع حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل بعد الإتفاق الثلاثي وتم توقيع أزيد من 20 إتفاقية، فالمغرب يوفر العديد من المنتجات لإسرائيل كالسيارات خصوصا أن المغرب أصبح بلدا صناعيا وهذا لم يأتي من فراغ بل نتيجة مشاريع وبرامج في العهد الجديد، ثم المنتجات الإلكترونية، وبعض المواد الفلاحية، في المقابل نجد أن إسرائيل توفر للمغرب تكنولوجيا فلاحية وتقنيات تتعلق بالطاقات المتجددة لاسيما وأن المغرب قد انخرط منذ سنة 2009 في مسلسل الطاقات المتجددة “مخطط المغرب الأصفر”، بالإضافة إلى الصناعات الحربية.
بخصوص السياحة،فالإتفاق الثلاثي يجسد بكل صدق وموضوعية الروابط العميقة بين ملوك الدولة العلوية الشريفة والجالية اليهودية،فستزيد الرحلات الجوية من إسرائيل إلى المغرب، خصوصا أن الجالية اليهودية لها طقوس دينية بالمغرب، فهي أرض أجدادهم، ثم أن المغرب له موقع إستراتيجي مهم يعتبر وجهة سياحية رائدة، ومن هنا نستشف بأن المغرب بلد للسلم والتعايش الديني،دون أن ننسى شيئا مهما مؤسسة إمارة المؤمنين بموجب الفصل 41 من دستور 2011 (1)،فالملك رئيس الدولة بموجب الفصل 42 من الدستور يعتبر أميرا للمؤمنين والحامي والراعي الرسمي للتعايش الديني.
في الختام، هناك من يتهم المغرب بالخيانة، كل هاته المغالطات ينشرها أعداء وحدتنا الترابية الراعون الرسميون للإرهاب والتطرف والذين يريدون الخراب للمنطقة المغاربية والإفريقية والذين لازالوا يعيشون على إيقاعات الحرب الباردة ولم يسايروا القرن الحادي والعشرين ومستجداته، فالمغرب وفي للقضية الفلسطينية، فهو بلد الأفعال وليس الأقوال،إذ يدعم القضية الفلسطينية بأموال ضخمة، كما أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده هو رئيس لجنة القدس، فالمغرب يرى أنه لا بديل عن حل الدولتين مع قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي حدود يونيو 1967 مع الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس بإعتبارها تراثا إنسانيا مشتركا للإنسانية جمعاء وللتعايش الديني.
الهوامش :
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة :3600.