عبد السلام المساوي
1-في الشكل
الحدث كان عظيما ، استثنائيا ، متميزا …كان حدثا عظيما بكل المقاييس …
لم يحدث في مسرح محمد الخامس بالرباط مثل ما حدث في 29 اكتوبر 2019 …لم يسبق لهذا الفضاء، ان عرف تظاهرة سياسية من مستوى عظمة الحدث الذي ينشد والمصالحة الاتحادية… لقد كانت تظاهرة فريدة من نوعها شكلا ومضمونا …وسنتوقف اليوم عند عظمة الشكل لنبرز مظاهر التميز والتفوق لهذه التظاهرة – الحدث العظيم …
١-الحدث كان عظيما بحضور قوي ، كبير وعظيم كما وكيفا ، عددا ونوعا ؛
– كما ؛ الاف الاتحاديات والاتحاديين حضروا الحدث التاريخي ، العرس النضالي …نحو أفق جديد ؛ بالمئات ، بالآلاف جاؤوا …منظمين ومنتظمين…واعين ومؤمنين ..حالمين واملين…مصممين وعازمين …بالمئات ، بالالاف جاؤوا إلى الفضاء – التحفة ، الى الفضاء الكبير والواسع جدا ، الى الفضاء الساحر بجماله ، الى المعلمة المعمارية الجذابة ؛ مسرح محمد الخامس بالرباط ، وللمكان رمزيته….
بالمئات بالالاف جاؤوا …ايمانا واقتناعا ؛ لم يحضروا جبرا ويسرا ..لم يحضروا
كرها او إغراء ..لم يحضروا ترغيبا وترهيبا …لم يأتوا مكدسين في الأتوبيسات والحافلات و” الكاميونات ” كما حدث ، ويحدث في المواسم الحزبية والرسمية…لم يحضروا لاوعيا او قطيعا …لم يحضروا أشياء وجمادا….
بالمئات ،بالآلاف جاؤوا…حضروا إرادة واختيارا ..حضروا تلبية لنداء الضمير ..حضروا استجابة لنداء الأفق الاتحادي ، لنداء المصالحة والانفتاح…لنداء التاريخ والمستقبل ..لنداء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية …أكدوا أن الاتحاد الاشتراكي حزب تاريخي ، حزب الحاضر والمستقبل….
من كل زمن جاؤوا ؛ شيوخ وكهول ، شباب واطفال …حضور قوي ودال للمرأة …من كل مكان جاؤوا ؛ …من كل أقاليم ومدن المغرب جاؤوا ؛ …..من كل جهات المغرب ، من جميع المدن والبوادي المغربية …من اوربا…جاؤوا من كل مكان وزمان….
حضور وازن وقوي للجماهير الاتحادية ؛ حضور دال ومعبر لضيوف هذا العرس النضالي ؛ وزراء ، اعضاء من السلك الديبلوماسي ، زعماء وأمناء الأحزاب السياسية ، ممثلو المركزيات النقابية والجمعيات النسائية والشبيبية والهيئات والمنظمات الحقوقية والجمعيات التربوية والثقافية والهيئات المهنية …حضور قوي للاعلام ، للاعلام بكل تجلياته وتعبيراته….
٢-نوعا ؛ الحضور كان كبيرا وعظيما ، عظيما من حيث الكيف والنوع ، هو حضور للمناضلات والمناضلين ،بالمعنى الحقيقي للنضال ، بالمعنى الفكري والفلسفي ،بالمعنى السياسي والحقوقي ؛ بمعنى الوفاء والاخلاص ، بمعنى الصمود والتحدي …
حضور للاتحاديات والاتحاديين ، ومن العناوين البارزة لهذا الحضور :
#- هو حضور للعقل والوجدان ، للتربية والحكمة …عانقوا رفعة ثقافة النظام والانضباط وارتفعوا عن خسة الفوضى و التهريج …باحترام حضروا ، باحترام جلسوا ووقفوا ، باحترام تابعوا وانصتوا ، وباحترام غادروا ، غادروا المكان ولم يغادروا الفكرة …غادروا مستوعبين خطاب الكاتب الاول ادريس لشكر ونداء الأفق الاتحادي
#- بالمئات ، بالآلاف حضروا ، وأعطوا لحضورهم معنى …تفاعلوا مع الحدث ، مع كلمة الكاتب الاول ، مع نداء الوحدة ، …تفاعلوا وتجاوبوا مع لحظات التظاهرة بتقدير واحترام …انصتوا بحكمة وتابعوا بحكمة …لم يلاحظ اطلاقا ان غادر أحدهم مكانه أثناء اللقاء ، الكل انضبط بمحض إرادته ، الكل التزم …،وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ التظاهرات بمختلف عناوينها ….وهذه ثقافة الكبار ….وهذا سلوك راقي يعكس قيمة ونوعية الحضور ..
#-الحضور كان نوعيا وعظيما ؛ من هنا انتفت مظاهر الرداءة التي تسم التجمعات العامة ؛ صراخ وتهريج ، فوضى وعبث ، تصفيقات عشوائية وزغاريد فلكلورية ، صراخ وشعارات جوفاء ، طقوس الاعراس واناشيدها…وهذا عنوان انسحاب الجمهور عندما يجبر على حضور لقاءات ليس معنيا بها
الحضور في حدث 29أكتوبر كان متميزا وواعيا باللحظة ؛ التزم وتفاعل بسمو ثقافي ورقي حضاري…انخرط في الحدث ؛ تصفيقات معبرة وشعارات دالة …الحضور كان معنيا لذا لم ينسحب ، ماديا ومعنويا ، طول مدة اللقاء ؛ وهذا يحدث لاول مرة…
٣- الاتحاديون والاتحاديات ، كل الاتحاديين والاتحاديات …انخرطوا بقوة لإنجاح الحدث …
الاتحاديون والاتحاديات ،كل الاتحاديين والاتحاديات ، القدامى والجدد ، الفاعلون والذين أقعدهم الكبر والمرض او الغضب احيانا….الكل كان حاضرا في لحظة تصالح مع الذات الاتحادية ، مع الهوية ، مع الكينونة ، مع الوجود….
٤- تحية احترام وتقدير ، تحية اعتراف وتنويه للشبيبة الاتحادية ، للشباب الاتحادي …كانوا عنوان نجاح التظاهرة – الحدث …كانوا الطريق البوصلة …تحضيرا وتنظيما …هم الامل هم المستقبل …عاشت الشبيبة الاتحادية ،النجاح سيد الميدان …
والكل يغرد لحن الخلود …انشودة الوفاء …والكل يردد النشيد ؛ نشيد الاتحاد الاشتراكي ” اتحادي اتحادي ”
سجل يا تاريخ ! سجل السمو والشموخ …سجل الرفعة والكبرياء …سجل النضال والصمود …سجل الاصرار والتحدي …سجل صدق الايمان …سجل اختيار الخلود …سجل الأنافة والنزاهة في معبد الشجعان ….
سجل يا تاريخ ! سجل بمداد الفخر والاعتزاز …
سجل يا تاريخ ! سجل بمداد الدم والتضحية …
سجل يا تاريخ ؛ سجل بعناوين بارزة ؛ سجل زمن القيادة الاتحادية الحالية ؛ زمن اندحار زارعي الاحقاد والضغائن وانكماش دعاة التشتيت والتفتيت …
سجل يا تاريخ ! سجل أفول الشوك والموت والظلام …
سجل يا تاريخ ! سجل في صفحات النقاء والصفاء …سجل هذا الزمن الاتحادي ؛ سجل واشهد ؛ هذا زمن الوحدة والمصالحة ، زمن نداء الأفق الاتحادي ….
سجل يا تاريخ ! سجل عودة الدفء الى العائلة الاتحادية …
سجل يا تاريخ ! سجل واشهد ؛ ان الاتحاديات والاتحاديين لا ” يقتلون اباءهم ” …هم بنات وابناء مخلصون وأوفياء …يواصلون النضال مستلهمين اباءهم ، زعماءهم وقادتهم ، شهداءهم ورموزهم ….
تحية للقيادة الاتحادية وتحية للكاتب الأول الأستاذ ادريس لشكر ….تحية للعقول المتفتحة والمنفتحة …وتحية للقلوب الواسعة والكبيرة
هنا الاتحاد الاشتراكي ؛ لا مكان للجحود والخيانة …هنا فضاء لرضاعة الاعتراف والوفاء….
عاش الاتحاد الاشتراكي بيتا لكل الاتحاديات والاتحاديين …بيتا لكل قوى اليسار والحداثة…
ثانيا -المغزى العميق للمصالحة والانفتاح
ان خطاب الكاتب الاول يتضمن وعيا تنظيميا جديدا ومؤشرات لرؤية سياسية جديدة…ويتسم بالجرأة العالية في أعمال آلية النقد الذاتي ، والمنهجية الواضحة في رصد مكامن الخلل داخل الجسم الحزبي وفي رسم معالم الطريق للانفتاح على المواطنين ، انه خلاصة لتجربة واستشراف لوعي ؛ ومن ملامح هذا الوعي الجديد ، اعتماد مقاربة جديدة في بناء الحزب ، توسيع دائرة الانخراط النوعي ، تجديد العلاقة مع المجتمع ، ابداع اساليب جديدة للتواصل مع المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية …من هنا يروم برنامج العمل ، كما يحضر في خطاب الكاتب الاول ، على المستوى التنظيمي تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة : أولها الانبعاث التنظيمي الجديد ، وثانيها العودة القوية الى المجتمع واخيرا تعزيز التموقع في المؤسسات .
يقول ذ ادريس لشكر : ( …فيما يتعلق بالتجذر القوي في المجتمع ، فلا حاجة للتذكير بأن التنظيم ، لا جدوى منه ما لم يكن متجذرا في نسيج المجتمع ، وما لم يكن أطر الحزب ومناضلوه متواجدين في الواجهات الجمعوية ومؤطرين للحركات الاجتماعية ، وعلى اتصال دائم بالناخبين والسكان وعموم المواطنين ، في مواقع عملهم وسكناهم …)
– أن موضوع الاشتغال والنضال بالنسبة للاتحاد الاشتراكي هو المجتمع ، إشاعة الفكرة الاشتراكية والقيم الديموقراطية الحداثية داخل المجتمع ؛ وهذا يتطلب حضورا دائما في المجتمع بمختلف قطاعاته ومؤسساته ، حضورا دائما مع المواطنين بمختلف فئاتهم ، يتطلب طريقة جديدة في التفكير ، منهجية جديدة في التنظيم ، انخراطا واعيا وعملا هادفا ؛ عملا جمعويا ،انسانيا ، اقتصاديا واجتماعيا …يتطلب الانصات للمواطنين والتضامن معهم …يتطلب قبل هذا وذاك ، التواجد المستمر مع المواطنين لا تذكرهم فقط عشية الانتخابات …
ان الاتحاد الاشتراكي وعى هذا الاشكال ، من هنا يرسم خطاب الكاتب الاول الطريق لتجاوز العوائق التي تعوق اتصال الحزب بالمجتمع ، وللتغلب على المقاومات الداخلية التي ترفض انفتاح الحزب على المواطنين وعلى الجماهير الشعبية ، فالحزب الذي يتخذ من ذاته موضوعا للاشتغال والنضال محكوم عليه بالتأكل الذاتي والانقراض .
* القطع مع التوظيف السيء للماضي النضالي
– أن تقوية صفوف الاتحاد الاشتراكي ، تصالحه مع ذاته ومع المواطنين ومع المجتمع ، تستدعي القطع مع التوظيف السيء للماضي النضالي ، أي الشرعية التاريخية والنضالية ، الذي يحمل في طياته إقصاء قبليا للأجيال ، وهذا يظهر في اللحظة التي يستثمر فيها بعض المناضلين ارثهم واقدميتهم في العلاقات الداخلية للحزب وفي العلاقات الجماهيرية مع المجتمع ، بمعنى أن اللغة التي تسود ، صراحة او ضمنا ، هي انه كلما أبدى اطار من الاطر والكفاءات التي استقطبها المشروع الاتحادي استعداده للانخراط في الحزب ، يواجه بعبارة ( شد الصف !) وهذا إقصاء قبلي ، وإنغلاق من شأنه أن يقزم الحزب . ..
ان الاتحاد الاشتراكي ليس ملكا لاحد ولا حقا محفظا من طرف اي كان ….ان الاتحاد الاشتراكي في الميلاد والمسار ، في الفكرة والحلم ، في الرؤية والتوجه ، في الفكر والممارسة ، في المعارضة والحكومة ، في الماضي والحاضر….حزب كل المغاربة ، كل المغاربة المؤمنين بالمشروع الاتحادي ، وكل من أراد أن يستعمل هذا التراث الحي لاكتساب التقديس الشكلي فإنه يعتبر خارج هذا التاريخ….
ان تراث الحزب هو تراث مشترك لكل الأجيال الحزبية ، لا يتملك بالاقدمية او بالتقديس الشكلي ، بل بعطاء اليوم وبالمساهمة المستمرة في الدفاع عن قيم هذا التراث…..
* لا خوف من الانفتاح
– لا خوف من الانفتاح ، فالخوف الحقيقي من الجمود والانغلاق لأن الحزب الذي لا ينمي نفسه ، كما وكيفا ، محكوم عليه بالانكماش ثم الانقراض ، فالحزب لا يمكن أن يشتغل بالموروث ، حتى ولو كان هذا الموروث بشريا ، وليبقى هذا الموروث حيا يجب ان يستمر في الأجيال اللاحقة…مناضل الأمس ليس هو مناضل اليوم وقطعا لن يكون مناضل الغد….فلم يعد مسموحا لأي حزب ان يؤطر المجتمع وان يشارك في تشكيل المؤسسات اذا لم يكن حزبا كبيرا مفتوحا ، منفتحا ، ومستعدا لاستقبال كل المواطنين الذين يعبرون عن اقتناعه بمبادئه والتزامهم بخطه وارادتهم في الفعل المشترك…
ان الحزب الذي لا يستطيع أن يتجدد بشكل كمي وكيفي واسع ، محكوم عليه بالفناء ، من هنا وجب زرع دم وروح جديدين في الاتحاد الاشتراكي باستقباله لمناضلين جدد ، ونعتبره استقبالا لفعاليات جديدة وأفكار جديدة
ان الانفتاح على الكفاءات والفعاليات داخل المجتمع يستدعي قبل كل شيء القطع مع اساليب الانغلاق …ان الاتحاد الاشتراكي ليس بنية منغلقة ، ليس أجهزة يتربع عليها زعماء احترفوا السياسة ، ان الاتحاد الاشتراكي بيت مفتوح وحق مشاع لكل المغاربة المؤمنين بقيم الديموقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية..نحن اليسار…
المغزى العميق للمصالحة
من بين الثوابت التي اصبح يتمحور حولها خطاب الكاتب الأول ؛يقول ذ ادريس لشكر في برنامج يبث على الموقع الإلكتروني ” شوف تيفي ” : ” ان الاتحاد محتاج الى كل ابنائه ، كما أن الوطن محتاج إليهم ، فلينضموا جميعا لتطبقيطهم ، والوقوف ضد القطبية المصطنعة ” وأعلن عن رفع جميع القرارات التي في حق اتحاديات واتحاديين…
وفي اللقاء التواصلي بالفقيه بن صالح دعا الكاتب الأول الى الابداع والتفكير بعمق في مشروع يساري اشتراكي ، وهو سؤال مطروح على الصعيد العالمي ، لا سيما وان العملية السياسية ككل تعرف متغيرات عميقة ، وتحتاج الى تواصل اجتماعي تفاعلي بالايجاب وتحقيق المصالحة الهادفة ، والرامية الى مصالحة مشاريع واقتراحات وافكار وبرامج وليس مصالحة اشخاص ، وهو ما يدعو الى فتح باب التواصل مع جميع من هو داخل الحركة الاتحادية ، بمنهجية عمل جديدة وأدوات عمل مبتكرة بعيدا عن مفاوضات الصالونات والتي اتعبت الجميع …ان البيت الاتحادي يتسع لكل تقدمي غيور ….
# ان هذا التوجه يستحق التنويه باعتباره صادر عن الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ، صادر عن حزب يمثل وعيا طليعيا في التجربة السياسية المغربية ويحمل وعيا استباقيا للتاريخ ، تاريخ الحزب وتاريخ المغرب .
# يستحق التنويه لأنه جاء في ظل وضع سياسي يطبعه الجمود والتقليد وتدني الوعي وتراجع القيم والأخلاقيات وتلاشي المرجعيات والتيه السياسي والميوعة وفقدان الثقة وانعدام الوضوح ، وضع سياسي يفتقر إلى النضج الفكري وإلى الحد الأدنى من التنظيم الذي ينير الطريق ويوضح الرؤية ويضفي على العمل السياسي قيمة ويرفع من انتاجيته .
# يستحق التنويه باعتباره يتضمن وعيا تنظيميا جديدا ومؤشرات لرؤية سياسية جديدة .
# يستحق التنويه باعتباره يتسم بالجرأة العالية والشجاعة السياسية ، والمنهجية الواضحة في رصد مكامن الخلل داخل الجسم الحزبي وفي رسم الطريق للتصالح مع الاتحاديات والاتحاديين والانفتاح على المواطنين .
# يستحق التنويه باعتباره خلاصة لتجربة واستشرافا لوعي ، ومن ملامح هذا الوعي اعتماد مقاربة جديدة في بناء الحزب ، الحزب – المؤسسة ، توسيع دائرة الانخراط النوعي ، تجديد العلاقة مع المجتمع ، ابداع اساليب جديدة للتواصل مع المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية…