إستراتيجية الاقتصاد عبر الأطلسي للاتحاد الأوروبي لمواجهة التغلغل الأمريكي والصيني في القارة الإفريقية

الدكتور محمد البغدادي (باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق بطنجة)

لا أحد يشك في أن مؤسسة الاتحاد الأوروبي تحاول قدر الإمكان وضع إستراتيجية الاقتصاد عبر الأطلسي للاتحاد الأوروبي من خلال رصد 300 مليار يورو من الأموال العامة والخاصة بحلول عام 2027 في مشاريع البنى التحتية في مختلف أنحاء العالم، وذلك من أجل منافسة ومواجهة مبادرة الحزام والطريق لسنة 2013 و المشروع الصيني الجديد للتجارة الالكترونية و  المدن الذكية وكابلات  الألياف البصرية تحت سطح البحر  ومراكز البيانات ومنشآت سحابية وتثبيت شبكة الجيل الخامس و الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية، وكذا التوغل الأمريكي في القارة الإفريقية.

 وفي هذا الإطار، فإن الصراع التجاري والعسكري بين واشنطن وبكين وتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية والتي تجلت أساسا في زيارة وزير الخارجية الأمريكية  إلى ثلاثة دول إفريقية من 15  و 20 نونبر 2021  وهي كينيا ونجيريا والسنغال حسب تقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالتزامن مع المنتدى الصيني الإفريقي بدكار بتاريخ 29 نونبر  2021 التي تتوعد بكين بخفض إمداداتها إلى إفريقيا بمقدار الثلث لتصبح 40 مليار دولار بدل من 60 مليار دولارا، وفي ظل تعزيز الاستثمارات الصينية   في الجزائر ومصر وغيرهم، واستحضار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القارة الإفريقية سنة 2019 من خلال تجاوز حجم الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا حاجز 43  مليار دولار سنة 2019  وتخطى 31 مليار دولار من إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا  سنة 2019 حسب مكتب الإحصاء الأمريكي، فإن التواجد العسكري الصيني في القارة الإفريقية من خلال تدشين القاعدة العسكرية على الساحل الإفريقي في جيبوتي سنة 2018 وإرساء خطة لتدشين قاعدة عسكرية على الساحل الشرقي لإفريقيا في تنزانيا ضمن خطط أكثر طموحا يستهدف إنشاء قواعد عسكرية على المحيط الأطلسي في إفريقيا وزيادة برامج التدريب العسكري للبلدان الإفريقية وتقديم دعم كبير للمنظمات الإفريقية في إطار جهودها لمكافحة الإرهاب و تدشين منتدى الدفاع والأمن الصيني الإفريقي منذ عامين ووضع خطط استخباراتية لدعم القوات الإفريقية في منطقة الساحل والصحراء التي تواجه تنظيمات مسلحة بحيث أن بكين تستوحد على 42 في المائة من مبيعات سوق السلاح في القارة الإفريقية.

وتجدر الإشارة إلى أن قيمة التجارية البينية الصينية الإفريقية تتجاوز 200 مليار دولار  سنويا ، في حين تعمل أكثر من 10 آلاف شركة صينية في جميع أنحاء القارة الإفريقية، حيث أن قيمية الاستثمارات الصينية في إفريقيا مابين 2005 و2020 بلغت أكثر من 2 تريليون دولار، كما تفوقت إفريقيا على آسيا كأكبر سوق لعقود بناء الخارجية للصين من خلال إحداث صدوق تطوير البنى التحتية لمبادرة الحزام والطريق الصينية في إفريقيا بقيمة مليار دولار، حيث قدمت بكين المساعدات الصينية المقدمة للقارة الإفريقية سنة 2018 تجاوزت قيمتها 60 مليون دولار.

كما وصلت حصة الصين إلى أكثر من 25 في المائة في الاستثمارات الصينية في إفريقيا سنة 2020، وذلك تفعيلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية سنة 2013 ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية انخفظت استثماراتها بنسبة 5.6 في المائة، مع العلم أن شركاؤها يمثلون التجارة مع القارة الإفريقية بنسبة 15.5 في المائة ،  خلافا للصين التي كانت تشكل 4 في المائة سنة 2019.

وفي هذا السياق، أقرت مجموعة الدول السبع الصناعية في بريطانيا بتاريخ 11 يونيو 2021 بقيادة جون بايدن إلى إرساء مشاريع تجارية مرتبطة بالأساس في توزيع اللقاحات و المناخ والصحة والقطاع الرقمي ومكافحة التباين الاجتماعي من أجل بناء إفريقيا من خلال إحياء مبادرة تنمية إفريقيا سنة 2020 بقيمة 80 مليار دولار التي دعا إليها الرئيس الأمريكي  السابق دونالد ترامب.

وبالموازاة مع هذه التطورات الميدانية والتحولات الجيو استراتيجية في القارة الإفريقية، فإن السؤال الكبير والعريض الذي يثار بشدة هو : كيف ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية هذا التوغل التجاري والعسكري الصيني في القارة الإفريقية ؟ وبعبارة أخرى هل ستنجح مبادرة تنمية إفريقيا في عهد إدارة جون بايدن لكبح التمدد الصيني نحو إفريقيا؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *