الإنتصارات المتتالية للديبلوماسية الناعمة المغربية: الإعتراف الإسباني بالحكم الذاتي نموذجا”

البشير الحداد الكبير،باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة

لقد شكلت الرسالة الصادرة من الحكومة الإسبانية بشأن الإعتراف بمبادرة الحكم الذاتي تحولا تاريخيا، فكل ما يمكن القول أنها رسالة صادرة عن مؤسسة رسمية وليست مجرد مكالمة هاتفية أو شيئ من هذا القبيل.

إن هذا الإعتراف الإسباني هو نتيجة عمل ومجهود المؤسسة الملكية ومختلف الفاعلين الرسميين بالمملكة المغربية،فكما هو معلوم أن مجال السياسة الخارجية هو مجال محفوظ بيد المؤسسة الملكية حسب منطوق دستور 2011 (1)، كما أن الديبلوماسية المغربية في العهد الجديد تميزت بالحزم وعدم التساهل في الوحدة الترابية، التي تعتبر خطا أحمرا.

تعتبر هذه الرسالة ترجمة فعلية لخطابي ثورة الملك والشعب 2021 الذي دعا فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى بناء علاقة مغربية تسودها الثقة والشفافية والإحترام المتبادل والوفاء بالإلتزامات، وهذا ما لاحظناه في نص الرسالة الإسبانية، فجلالة الملك في نفس الخطاب أكد أنه ليس الهدف هو الخروج من الأزمة التي وقعت مع إسبانيا بل إعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحدد طبيعة العلاقات، وقد أكد جلالته في نفس الخطاب أنه يتابع شخصيا الحوار والمفاوضات مع إسبانيا،ثم خطاب المسيرة الخضراء 2021.

إن إسبانيا كانت تعي جيدا بأن المغرب حليف إستراتيجي لها ويلعب دور محوري في الحفاظ على الأمن والإستقرار في الجوار الأورومتوسطي(محاربة الإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة) كما سبق أن أكد على ذلك جلالة الملك في خطاب العرش السنة الماضية.

وكما قلنا أن الديبلوماسية المغربية في العهد الجديد تميزت بنوع من الحزم أكثر فأكثر، إذ تجلى ذلك مع إسبانيا وألمانيا، وبما أن موضوع تحليلنا الآن هو إسبانيا، فقد رأينا ترسيم الحدود البحرية معها مباشرة بعد الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المجيدة سنة 2020،بالإضافة إلى إغلاق الحدود البرية لاسيما سبة ومليلية المحتلتين، وإلغاء عملية مرحبا، وإستدعاء السفيرة المغربية بإسبانيا لاسيما بعد إستقبال إسبانيا لزعيم الحركة الإنفصالية الإرهابية البوليساريو وتم إكتشاف هذا بفضل المخابرات المغربية الخارجية “لادجيد” ،وبالتالي بعد تجميد العلاقات السياسية والإقتصادية بين البلدين،أصبحت إسبانيا تعاني من أزمة خانقة وعزلة إقليمية،فإسبانيا بهذا الإعتراف تصحح الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي.

لقد تحولت إسبانيا من عدو لوحدتنا الترابية إلى حليف إستراتيجي، ففي السابق عارضت الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وكانت تريد ضم كل من سبتة ومليلية لحلف الشمال الأطلسي الناتو ولمنظومة شينغن كنوع من إستفزاز للمغرب، لكن هذا الأخير يتميز بالهدوء وضبط النفس والإشتغال بكل حزم وثقة، فالإعتراف الإسباني كان متوقعا خصوصا أن إسبانيا كانت تتوقع بأن إدارة بايدن الرئيس الأمريكي الجديد ستغير موقفها بخصوص ملف الصحراء المغربية لكن توقعها كان خاطئا فالموقف الأمريكي ظل ثابتا رغم تغير الرؤساء، ولاحظت إسبانيا زيارة نائبة كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية للمغرب في الآونة الأخيرة، إذن استنتجت بأن المغرب كبير، وهناك قاعدة معروفة في العلاقات الدولية “تحالفك مع الكبار يجعل الصغار يتحالفون معك”، إسبانيا كانت تعي جيدا أن الخطب الملكية كانت أكثر صرامة وبأن المغرب لن يتساهل في الصحراء المغربية، لاسيما الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المجيدة 2021 الذي أكد فيه جلالة الملك أعزه الله بأن المغرب لا يتفاوض من أجل صحراءه بل يتفاوض من أجل حل سلمي وعادل لنزاع مفتعل، بل شدد جلالته بأن المغرب لن تكون له أية علاقة إقتصادية أو تجارية مع أي بلد لا يعترف بالصحراء المغربية، بل أكثر من ذلك أن خطاب ثورة الملك والشعب 2021 أكد فيه جلالته بأن منطق الأستاذية انتهى وبأن المشكل يكمن في بعض قادات أوروبا الذين لازالو يتعاملون بمنطق الإستعمار والماضي، وبأن المغرب دولة ذات سيادة، ولقد رأت إسبانيا مؤخرا الموقف المغربي بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية بإمتناعه عن التصويت والذي تميز بالديبلوماسية الناعمة والحكمة والتبصر.

بالإضافة إلى ما سبق ذكره،هناك سبب آخر دفع بإسبانيا لتغيير موقفها، وهو ما لاحظناه السنة الماضية قرار الإدارة الجزائرية بعدم تجديد أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي وبالتالي إكتشفت إسبانيا أنها تتعامل مع دولة لا تتمتع بأية مصداقية ولا تفي بإلتزاماتها وبعد عثورها على حلول لإستوراد الغاز أصبحت في غنى عن الجزائر واكتشفت أن المغرب دولة ذات مصداقية وشفافية، وهنا تجدر الإشارة أنه من الممكن لإسبانيا أن تستورد الغاز من المغرب مستقبلا لاسيما بعد إكتشافه في بعض المناطق المغربية.

إن ملف الوحدة الترابية يهم جميع المغاربة وهذا ما لاحظناه من خلال بلاغ الديوان الملكي الذي مباشرة بعد الإعتراف الإسباني بمبادرة الحكم الذاتي قام بنشره لتتقاسمه المؤسسة الملكية مع المواطنات والمواطنين لاسيما أن هذا الموضوع يعتبر خطا أحمرا بالنسبة للعرش والشعب.
“المغرب قبل كل شيء ولا غالب إلا الله 🇲🇦❤️”

الهوامش :
1-ظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة :3600.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *