قصص الأنبياء: قصة سيدنا داوود.. مؤسس مملكة اليهود الذي هلك الطير من جمال صوته

يقول الله تعالى في كتابه العزيز “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب”، من هذا المنطلق تستعرض “الشروق” مجموعة قصصية عن سير أنبياء الله، خلال شهر رمضان الكريم، بهدف استخلاص الموعظة والحكمة.

ونستعرض في الحلقة الرابعة والعشرين من هذه السلسلة، قصة نبي الله داود عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل، وذلك من خلال كتاب “البداية والنهاية” عن قصص الأنبياء، لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفدا إسماعيل ابن كثير القرشي، المتوفى عام 774 هجريا.

* نسب النبي داود عليه السلام

هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو من أنبياء بني إسرائيل، وقد أوتي النبوة بعد اليسع وحزقيل وموسى عليهم السلام على الترتيب، وقال الإمام محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، وعن وهب بن منبه، إن داود عليه السلام كان قصيرا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه.

* رسالة النبي داود

أوتي النبي داود عليه السلام الكتاب السماوي (الزبور)، يقول الله تعالى، في سورة الإسراء: “وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورا”، ويقال وغير مؤكد صحته أن الزبور كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وإنما دعاء وتوحيد وتحميد وتمجيد لله عز وجل.

وتلخصت رسالة النبي داود عليه السلام في الحكم بين الناس، وأمرهم بالعدل، واتباع الحق المنزل من الله لا ما سواه من الآراء والأهواء، وتوعد من سلك وحكم بغير ذلك، يقول الله تعالى في سورة ص: “يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ”.

وقد كان داود عليه السلام هو المقتدى به في ذلك الوقت في ميران العدل، وكثرة العبادة، وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليل نهار، يقول الله تعالى في سورة سبأ: “اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ”.

* معجزات النبي داود

يقول الله تعالى في سورة سبأ: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”، ويقول تعالى في سورة ص: “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفصل الْخِطَابِ”.

أعان الله النبي داود على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلين من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فكان يأكل من عمل يده، وكان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة، فكان أول من عمل الدروع من زرد (نوع من الدروع يتكون من حلقات معدنية صغيرة مترابطة)، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح، وكان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم.

وأُعطي الله تعالى النبي داود قوة في العبادة، فكان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال:«أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى»، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: “وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ”.

وكان الله تعالى قد وهبه صوتا عظيما ساحرا لم يعطه لأحدا، فكان إذا ترنم بقراءة كتاب الزبور يقف الطير في الهواء، ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشيا صلوات الله وسلامه عليه، وقال الإمام الأوزاعي، إن داود أعطي من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله، حتى يموت عطشا وجوعا، وحتى أن الأنهار لتقف، وقال وهب بن منبه: كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن، والإنس، والطير، والدواب على صوته، حتى يهلك بعضها جوعا، يقول النبي محمد رسول الله ﷺ: «أفضل الصيام صيام داود، وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا يكون فيها، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء، ويصرف بصوته الهموم والمحموم».

* النبي داود عليه السلام يؤسس مملكة اليهود في بيت المقدس

سمع النبي داود، طالوت ملك بني إسرائيل يقول إن من يقتل جالوت ملك القدس الطاغي، ويخلص بني إسرائيل من شره، سيزوجه ابنته ويشركه في ملكه، وكان داود يجيد الرمي بالمقلاع، فقتل جالوت خلال الحرب، فأحبته بنو إسرائيل وخلعوا طالوت ونصبوا داود ملكا عليهم، فجمع الله له بين الملك والنبوة، ومهد لأول دخول يهودي في التاريخ إلى مدينة القدس، ليقيم فيها مملكته (مملكة اليهود) التي تشير المصادر التاريخية إلى أنها كانت في قرية سلوان قرب عين الماء على الأطراف الخارجية لمدينة القدس القديمة.

يقول الله تعالى: “وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” أي: لولا إقامة الملوك حكاما على الناس، لأكل قوي الناس ضعيفهم.
ويقال في التوراة إن النبي يوشع بن نون عليه السلام هو أول من فتح بيت المقدس، حيث دخلها مع بنو إسرائيل لأول مرة بعد خروجهم من فترة «التية» في سيناء غضب الله عليهم لعصيانهم أوامره، ويذكر أهل الكتاب والمؤرخون أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن، وانتهى إلى مدينة أريحا، وكانت من أحصن المدائن، وأعلاها قصورًا وأكثرها أهلًا فحاصرها 6 أشهر، ثم دخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفًا من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكًا كثيرة، لكن هناك رأي آخر يقول إن سيدنا يوشع لم يفتح بيت المقدس ولكنه فتح مدينة أريحا واستقر فيها، بالإضافة لأن الله لم يوضح في القرآن الكريم أنها بيت المقدس لكنه قال “ادخلوا القرية”، بحسب المركز الفلسطيني للإعلام، التابع للحكومة الفلسطنية، كما أن الرسول محمد (صلى) قال إن الشمس حبست للنبي يوشع (أي تأخرت في الغروب) عندما سار إلى بيت المقدس محاربا ولم يقل عندما فتح بيت المقدس.

ويضيف المركز عبر موقعه الإلكتروني، أنه بعد وفاة النبي يوشع بن نون، اشتعلت الخلافات الداخلية بين أسباط اليهود المقيمين في أريحا، وضعف بنيانهم بضعف إيمانهم، فتمكن منهم العمالقة، وهم كنعانيو فلسطين، فسلطوا عليهم ألوان الاضطهاد والعذاب، وظهر في صفوف العمالقة ملك قوي يدعى جالوت، وكان في هذا الوقت يحكم الأرض المقدسة، وكان مقرّه في القدس، وفق المصادر اليهودية والتاريخية، وهو ما يدعّم الرأي القائل بأن اليهود استقروا فعلا في أريحا ولم تطأ أقدامهم القدس أبداً في عهد النبي يوشع، ويؤيد قصة النبي داود عليه السلام خاصة وأنه جاء في نفس الفترة الزمنية.

* قبر النبي داود في القدس الشريف

يوجد مقام النبي داود في القدس الشريفة وهو أحد الأماكن الإسلامية التي يزورها المسلمون واليهود، وهو الآن يخضع لسيطرة الاحتلال، ويتألّف من ضريح النبي داود والمسجدين الملاصقين له، وقع المقام على ربوة مرتفع جبل صهيون، وتحيط به مباني كثيرة، وهو من الأماكن الأثرية العامة في فلسطين، لا سيما المسجد العلوي منه وما يشتمل عليه من أقواس وأعمدة ضخمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *