منذ الثورة الإيرانية عام 1979 و القيادة الإيرانية تسعى إلى تصدير هذه الثورة بهدف التدخل في دول الجوار وزعزعة استقرارها، كما أنشأت العديد من الجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية الشيعية خارج إيران لكسب تعاطف المسلمين عموما والشيعة العرب.
و الهدف من ذلك كسب أنظمة و هيئات و شخصيات موالية للنظام الإيراني في دول الشرق الأوسط و أفريقيا تمهيدا للسيطرة على بعض المواقع بهذه الدول.
و هذا ما سبق أن أكدته شخصية حكومية إيرانية بارزة بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة الإيرانية عام 2015، حيث أعلن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني أن “مؤشرات تصدير الثورة الإسلامية باتت مشهودة في كل المنطقة بدءا من البحرين والعراق إلى سوريا واليمن وحتى شمال أفريقيا “.
فمنذ بداية الثمانينات و إيران تخطط لتأسيس الإمبراطورية الإيرانية الكبرى، جذورها في آسيا و فروعها في الشرق الأوسط و أفريقيا. و هذا ما سنحاول بسطه فيما يلي :
1 / التوسع الإيراني في الشرق الأوسط :
لقد أصبحت السيطرة الإقليمية هدفا استراتيجيا لإيران بعد ثورة الخميني سنة 1979، تلك السيطرة هي التي دفعت المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج إلى التحرك من أجل التصدي لهذه الدولة التوسعية، خصوصا و أن السعودية شعرت بأنها أصبحت محاطة من كل الجهات من قبل جماعات تابعة للنفوذ الإيراني. لذلك، لا ينبغي التشكيك في حقيقة الأطماع الإيرانية للهيمنة السياسية و الاستراتيجية على منطقة الخليج العربي، والتي تفسرها التدخلات المستمرة لإيران في الشؤون الداخلية لعدد من الدول في منطقة الخليج، ومخططها التوسعي في المناطق العربية، خصوصا مناطق الحزام الشيعي والخليج العربي، كما حصل في العراق وسوريا وجزء من لبنان.
فإيران تدعم حليفها التقليدي حزب الله بلبنان منذ مدة، وتحالفت مع نظام بشار الأسد بسوريا، رغم ما ارتكبه من مجازر في حق شعبه. وهذا لا يمكن تفسيره كنوع من التضامن مع الشيعة العلويين بسوريا بقدر ما هو طموح إيراني جغرافي يهدف إلى مراقبة كل من العراق و سوريا، من جهة، و من جهة ثانية، محاصرة المملكة العربية السعودية، حتى لا تكون قائدا استراتيجيا في الشرق الأوسط، و بالتالي الإطاحة بنظام بشار الأسد.
و موازاة مع أطماعها التوسعية، فإن إيران أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الأمن بالمنطقة، لأنها لم تلتزم باحترام الاتفاق النووي بينها و بين الغرب، كما خالفت قرارات مجلس الأمن والعقوبات الدولية فيما يتعلق بالتجارب الصاروخية.
فضلا عن ذلك، فإن الخطر والتهديد الإيراني اليوم لا يستهدف الاستقرار في الخليج و الشرق الأوسط و المنطقة العربية فقط، و إنما أصبح يهدد الأمن و السلم الدوليين والمصالح الاقتصادية و الجيو-ستراتيجية العالمية، نظرا لتوفر إيران على أسلحة نووية محظورة دوليا. وهذا الخطر الإيراني، توقعه الكثير من القادة السياسيين و المحللين الاستراتيجيين أمثال وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، عندما نشر تحليلا مطولا يناقش فيه أساسا التحديات التي تواجه أمريكا ودول حلف الأطلنطي في ظل الظروف والأوضاع العالمية الراهنة، قال فيه : ” إذا سيطر الحرس الثوري الإيراني، أو القوى الشيعية التي دربتها إيران وتوجهها وتتحكم فيها، على أراضي داعش في العراق وسوريا، فقد تكون النتيجة هي إقامة حزام من الأراضي يمتد من طهران إلى بيروت، وهو الأمر الذي يمكن أن يقود إلى ظهور امبراطورية إيرانية راديكالية متطرفة “.
كما أضاف هنري كيسنجر ” أن إيران خططت منذ سنوات لمرحلة ما بعد هزيمة داعش كي تكون هي القوة المسيطرة فعليا في العراق وسوريا، وذلك عبر عمليات تطهير طائفي وعرقي في مناطق واسعة في العراق وسوريا. وهي اليوم القوة النافذة في هاتين الدولتين. و السبب في ذلك أن الدول العربية تركت ساحة العراق وسوريا طوال السنوات الماضية مفتوحة أمام إيران و ميليشياتها “.
2 / التغلغل الإيراني في إفريقيا :
ظلت القارة الافريقية تشكل منذ قيام الثورة الإيرانية محوراً مهماً في أولويات السياسة التوسعية الإيرانية و ساحة رحبة ومثمرة لأنشطتها السياسية والاقتصادية و مركزا استراتيجياً مهماً للوصول إلى الدول العربية بشمال أفريقيا و التحكم في أنظمتها. و تشهد سياسة إيران في دول افريقيا توافقاً مع سياستها المتبعة في المنطقة العربية، التي تتركز على البعد الديني الذي تبرر به تدخلها في الشأن الداخلي لتلك الدول. فقد استطاعت إيران وفي فترة قياسية أن تؤسس لها في أفريقيا مكانة قوية ونفوذاً اقتصادياً و سياسياً، و أن تضع لها موطئ قدم في تلك الدول كنيجيريا والسينغال و أثيوبيا و كينيا و تنزانيا و السنغال وجنوب أفريقيا و أنغولا و الكونغو.
فعلى الصعيد الديني، نذكر التشيع الذي دخل إلى غانا مع بداية هجرة اللاجئين اللبنانيين في بداية الثمانينات، حيث تزايد نشاط الدعوة الشيعية هناك، وبدأت منظمات المجتمع المدني، كمنظمة الكوثر في بناء المساجد وتنظيم الاحتفالات الدينية الشيعية كالاحتفال بيوم القدس وعاشوراء وغيرها. و نفس الأمر حصل في نيجيريا أيضا التي تحتضن اليوم نسبة كبيرة من الشيعة بفضل أنشطة الحركة الإسلامية النيجيرية، رغم أنه لم يكن هناك أي وجود شيعي في نيجيريا قبل الثمانينات، أي قبل تصدير الثورة الإيرانية. أما على الصعيد الاقتصادي الذي يعتبر إحدى أهم ركائز التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية، فقد أولت إيران اهتماماً كبيرا لبناء جسور التعاون الاقتصادي في سياستها الخارجية مع الدول الأفريقية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، كإحداث مصنع “إيران خودرو” للسيارات في السنغال في عام 2007 والذي يعد المصنع الأول من نوعه في السنغال، و إبرام اتفاقيات بينها و بين أثيوبيا في مجالي الغاز والزراعة، و بناء محطات نووية في كينيا و إبرام اتفاقيات تعاون معها في مجال الزراعة والمعدات والطاقة، و أبرمت اتفاقيات في مجال النفط مع أنغولا و دولة جنوب أفريقيا، التي تربطها بإيران علاقات متينة جداً في مجالات عدة.
فالمصلحة، سواء كانت دينية أو اقتصادية، هي المحددة للسياسة الخارجية لإيران، حتى ولو كان ذلك يتعارض مع مواقفها الدولية، كموقفها من إسرائيل مثلا. فأثيوبيا وإن كانت تمثل الحليف الاستراتيجي لإسرائيل في منطقة القرن الافريقي فإنها تحافظ على علاقات قوية مع إيران، هذه الأخيرة التي تغلغلت في طائفة الأحباش و استطاعت نشر مذهبها الشيعي، و بالتالي يمكن لها التأثير سياسيا على صناع القرار بإثيوبيا.
3/ في شمال إفريقيا :
تسعى طهران جاهدة إلى كسب تحالفات إقليمية جديدة بشمال إفريقيا تقوم على أسس سياسية واقتصادية وثقافية و دينية. ولعل التحالفات و العلاقات الاقتصادية و الثقافية التي تبنيها إيران مع دول المغرب العربي، ولا سيما الدول المغاربية الثلاث ليبيا و الجزائر والمغرب، تسعى من ورائها إلى التوسع في أفريقيا.
وتعد ليبيا من الدول المهمة و المستهدفة من قبل إيران طوال عهد الرئيس معمر القذافي الذي اعترف بثورة الخميني عام 1979، ووقف مع إيران في حربها مع العراق من سنة 1980 إلى سنة 1988. و قد تجلى ذلك من خلال التشيع المتزايد داخل الأوساط الشبابية في عهد القذافي. إلا أنه في السنوات الأخيرة، استطاعت السلطات الليبية توقيف موجة التشيع الإيرانية ، بعد احتجاج المسلمون السنيون.
وتعتبر الجزائر نقطة ارتكاز الحضور الإيراني في دول المغرب العربي وبوابة تفتح نحو إفريقيا. فإلى جانب العلاقات المميزة بين البلدين في المجال الاقتصادي وخاصة الطاقة، سعت إيران إلى توطيد علاقاتها الثنائية مع الجزائر في المجال السياحي. و في بداية التسعينيات عندما فازت الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية، حصل تحول في علاقة النظام الجزائري العسكري مع ايران، قاطعا معها العلاقات، متهما إياها بدعم الجبهة الإسلامية. و ظلت العلاقات جامدة، حتى جاء الرئيس بوتفليقة وتم استئنافها، حيث ازدهرت العلاقات بين البلدين، تجلى ذلك في إبرام 19 اتفاقية للتعاون في المجال الزراعي والصناعي والعلمي والثقافي وفي مجال البناء والمياه وفي مجال الطاقة وفي المجال النووي.
بالنسبة للمغرب، فقد استأنفت العلاقات المغربية الإيرانية في ديسمبر 2014، بعد قطيعة دبلوماسية دامت 6 سنوات منذ سنة 2009 بسبب اتهام السلظات المغربية لإيران بمحاولة التدخل في الشؤون الدينية للمملكة.
غير أنه مؤخرا، أعلنت الخارجية المغربية عن قطع العلاقات مع إيران بسبب تورطها و حليفها حزب الله اللبناني في إرسال أسلحة إلى جبهة البوليساريو وهي حركة انفصالية بمنطقة تندوف. كما أرسل كوادر عسكرية هناك لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب.
و هكذا يتبين أن ايران تعمل وفق حظة استراتيجية توسعية في كثير من أنحاء العالم لتحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية الكبرى التي تريدها أن تنهي في غرب أفريقيا المغرب و تظل على المحيط الأطلنطي.
إننا ونحن نسوق هذه الأدلة في تعاظم الخطر الداهم الذي تمثله إيران في المنطقة، و إلى أن هذا الخطر في طريقه إلى التعاظم و التفاقم، فإنه لا بد من ضرورة التحرك فورا والتخطيط لوقف النظام الإيراني التوسعي و ذلك من خلال مجموعة من التدابير ، نذكر من بينها :
– دعم جهود دول التحالف العربي في الحد من هذا الخطر، خصوصا على الصعيد الديبلوماسي.
– وضع خطة شاملة للتصدي للإيديولوجية الإيرانية الشيعية، فبالإضافة للجانب الأمني والعسكري لابد من محاربة الفكر الإيراني الهدام.
– دفع إيران إلى احترام الشرعية الدولية من خلال مراجعة الاتفاق النووي و إكماله خصوصا بشأن البرنامج الصاروخي البالستي في إيران ، و وجوب ربط الاتفاق النووي مع إيران بمرحلة ما بعد عام 2025 ومعالجة مسألة البرنامج الصاروخي الإيراني.