يضطلع هواة جمع الآثار الذين يتعقبون كنوزاً من الماضي باستخدام جهاز الكشف عن المعادن، بدور أساسي في الدنمارك، لدرجة أنّ المتحف الوطني يُخصص معرضاً لهم، في وقت تلقى ممارسات هؤلاء تنديداً في دول أخرى.
وتقول أمينة المعرض لين بييرغ لوكالة فرانس برس إنّ عمل المنقبين الهواة عن الآثار “ينطوي على أهمية كبيرة، فما يتولّون إنقاذه راهناً يحمل أهمية لعملنا كمؤرخين”، وتشير إلى أنه في حال لم تُنقَذ القطع من الأراضي الدنماركية الموحلة، “فسيشكل ذلك خسارة للتاريخ”.
ويُعثر سنوياً على آلاف الخواتم والقلائد والعملات الذهبية في أراضي البلاد التي كان يستوطنها الفايكينغ في الماضي، ويخصص المتحف ثلاث صالات عرض يُتاح لزائريها الاطلاع على اكتشافات الهواة وتاريخ عملهم، بالإضافة إلى الاستمتاع بمختلف أنواع الكنوز التي تحمل أسماء مَن عثروا عليها.
وفي الدولة الاسكندنافية، يُجاز لهواة جمع الآثار استخدام جهاز الكشف عن المعادن في أي منطقة تقريباً، شرط حيازتهم موافقة مالك الأرض وعدم الوصول خلال أعمال الحفر إلى ما دون الطبقة العليا من التربة.
وينبغي على هواة جمع الآثار أن يسلّموا المتحف المحلي القطع التي يعثرون عليها، ثم يجري المتحف المعني تقييماً أولياً للقطعة المُكتشفة قبل إحالتها إلى المتحف الوطني، الذي يحدد مكافأة للهاوي بعدما يجري تقييماً جديداً للقطعة الأثرية، وقد يتم عرض القطعة بناءً على القيمة التي تتمتع بها.
وتقول لين بييرغ إنّ “الهواة غالباً ما يعثرون على قطع كثيرة، ففي العام الفائت، تلقّينا نحو 18 ألف قطعة، فيما وصلنا 30 ألف قطعة في العام 2021″، وتلقائياً، تصبح هذه القطع التي يُطلق عليها تسمية “داينفي” من أملاك الدولة، بموجب قانون يعود إلى العصور الوسطى.
ويرى توربين ترير كريستيانسن من متحف يوتلاند (غرب) التاريخي، أنّ التعاون مع هواة اكتشاف الآثار يمثل قيمة مضافة للمتاحف، لافتاً إلى أنّ “هؤلاء يشكلون إحدى أبرز الجهات المُتعاونة مع المتحف”، وتضم المنطقة نحو 250 هاوياً في مجال اكتشاف آثار، فيما يوفر الأكثر نشاطاً بينهم للمتحف نحو مئة قطعة سنوياً.
ويشير أرني هيرتز، وهو رجل متقاعد يبلغ 64 عاماً ويرأس جمعية محلية، إلى أنّ هواة الجمع “يبدون سعادة في القيام بخطوة جيدة من خلال التبرع بالقطع التي يعثرون عليها”.
ويستند أسلوب العمل هذا إلى علاقة ثقة مزدوجة، فمن ناحية أولى لا تتعرض القطع الأثرية للنهب، ومن ناحية أخرى تُسلّط السلطات الضوء على ما يكتشفه أفراد من المواطنين.
وتقول بييرغ “أحياناً، تكون الاكتشافات مذهلة وتحمل تغييراً لتاريخنا، لأنها تقدم لنا معلومات لم نكن نعرفها سابقاً”، وخُصص قسم في أكبر قاعة عرض لـ”كنز فينديليف”، الذي يتكون من 22 قطعة ذهبية وطُمر خلال القرن السادس في جنوب غرب البلاد، قبل أن يعثر عليه في نهاية عام 2020 هاوي جمع كان انطلق حديثاً في ممارسة هذا النشاط.
وتقول بييرغ إنّ “هذا الكنز يحوي قطعة معدنية نُقش عليها اسم الاله الاسكندينافي أودين، مما يؤشر إلى أنّ أودين يُحتمل أنه كان موجوداً كإله قبل 150 عاماً مما كان يُعتقد”، وتضيف “في الدنمارك، نبني تاريخنا من خلال التعاون في ما بيننا”.
ويعتبر هواة اكتشاف الآثار أنّ المعرض في المتحف الوطني يشكل اعترافاً جديداً بأنشطتهم، بعدما عرضت المتاحف المحلية عدداً منها، ويقول هاوي اكتشاف الآثار سايمون غريفانج (38 عاماً) الذي يمارس هذا النشاط منذ أربع سنوات “من المثير للإعجاب أن نرى القطع التي عثرنا عليها معروضة، وأن نساهم بطريقة ما في إغناء تاريخ الدنمارك”.
واستقطب المعرض منذ افتتاحه في مطلع فبراير، زائرين من مختلف المناطق، وانتاب أنّي لوند، وهي امرأة متقاعدة تبلغ 72 عاماً، ذهول من جمال المجوهرات المعروضة، وتعتبر أنّ خطوة المتحف تمثل طريقة مذهلة لعرض ما اكتُشف.
وتضيف “قبل عشرين إلى أربعين عاماً، لم تكن القطع المُكتشف مُتاحة سوى لمجموعة صغيرة من العلماء (…) ولم يكن بإمكان المواطنين الاطلاع عليها، لذا أرى أنّ خطوة المتحف جيدة بالفعل”.