بعدما اعتبرت لفترة طويلة كثيرة المخاطر وباهظة الثمن، ارتفعت أسهم شركات القطاع التكنولوجي منذ اندلاع الأزمة المصرفية الأخيرة إلى حد صارت تعتبر ملاذا آمنا للمستثمرين.
وارتفعت قيمة أسهم ميتا وألفابت ومايكروسوفت جميعها بأكثر من عشرة بالمئة في وول ستريت منذ أولى بوادر العاصفة التي اجتاحت القطاع المصرفي الأميركي في بداية مارس، فيما تراجع مؤشر داو جونز في المقابل بأكثر من 2%.
وأوضح أنجيلو زينو من مكتب “سي إف آر إيه ريسيرتش” للدراسات والتحليل أن “المستثمرين يرون في هذه الشركات التكنولوجية ذات القيمة السوقية الكبرى وجهة آمنة في الوقت الحاضر”.
ويتعارض ذلك مع الصورة التي لازمت القطاع التكنولوجي منذ انهيار “فقاعة الإنترنت” العام 2000، على أنه قطاع غالبا ما يبالغ في تقييمه، وتوقعاته المالية غير مؤكدة وينطوي على الكثير من المفاجآت غير السارة.
ولفت دان آيفز من شركة ويدبوش سيكيوريتيز في مذكرة إلى أن “كثيرين يحذرون بشأن قطاع التكنولوجيا” منذ أشهر “لكن الواقع أن مؤشر ناسداك في ارتفاع بحوالى 13% هذه السنة” مضيفا أن “الكثير من المستثمرين الذين كانوا يتوقعون تراجعه يسعون لفهم” هذه الظاهرة.
وأوضح سكوت كيسلر من شركة “ثيرد بريدج” أن “قسما كبيرا من كبرى الشركات في العالم يأتي من القطاع التكنولوجي”، مشيرا إلى أن حجم رسملتها السوقية الضخم يحميها جزئيا من التقلبات المحيطة.
وأضاف أن هذه الشركات “لديها مرونة مالية واحتياطات سيولة هائلة”، ما يؤمن لها قاعدة قوية في مرحلة بلبلة في الأسواق.
كذلك، بات العالم الرقمي راسخا في حياة الأفراد، خلافا لما كان عليه الوضع في العام 2000.
وقال المحلل “الناس لن يهجروا ويندوز أو خدمات أمازون ويب (خدمات السحابة) دفعة واحدة، أو يتوقفوا عن القيام بأبحاث على الإنترنت”، مشددا على أن الخدمات التي تقدمها شركات الإنترنت والمعلوماتية العملاقة “تعتبر جوهرية وضرورية”.
إلى هذه العناصر البنيوية تضاف عوامل ظرفية وفرت وضعا مثاليا لم يكن متوقعا لأسهم هذا الاقتصاد الجديد.
ومن بين الأطراف الذين توجهوا إلى هذه الأسهم بحسب دان آيفز، اختار عدد كبير التخلي عن القطاع المالي إذ “لا يعرف أي مصرف يواجه أزمة وأي نبأ يمكن أن يرد مساء أحد الأيام” بشأن تدابير طارئة.
فالولايات المتحدة لا تزال في وضع هش جراء انهيار ثلاثة مصارف خلال بضعة أيام، ما قوض ثقة السوق في النظام المالي، رغم أنه تم احتواء موجة الذعر.
والذين انتقلوا إلى أسهم قطاع التكنولوجيا وجدوا زيادات جذابة في قيمة الأصول نتجت عن عملية التصحيح المباغتة التي شهدها قطاع التكنولوجيا في 2022 نتيجة الخروج من وباء كوفيد-19 والدخول في حلقة تشديد سريع للسياسة النقدية.
من جهة أخرى، لفت أنجيلو زينو إلى أنه منذ نهاية العام الماضي “بات المستثمرون يحصلون (من كبرى شركات التكنولوجيا) على ما يترقبونه، وهو خطط ادخار”.
وأعلنت أمازون هذا الأسبوع عن دفعة تسريحات جديدة تطال تسعة آلاف موظف، تضاف إلى تسريح 18 ألف موظف في يناير. وقبل بضعة أيام من ذلك، أعلنت ميتا عن تسريحات أكثر صرامة وصلت معها نسبة خفض موظفيها إلى 24%.
ورأى سكوت كيسلر أن “الشعور العام حيال هذه الأسماء الكبرى تغير بفعل تشديدها على كفاءة الأداء” وترشيد التكاليف، وهي معايير لم تكن تبدو ضرورية حتى ذلك الحين بفعل نموها المتواصل.
وآخر ورقة صبت لصالح شركات التكنولوجيا كانت إبطاء الاحتياطي الفدرالي الأميركي تشديد سياسته النقدية، ما دفع عملاء البورصة إلى توقع وقف البنك المركزي نهج رفع معدلات الفائدة والانتقال إلى خفضها على مراحل حتى نهاية السنة.
وسيكون مثل هذا السيناريو مثاليا بالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تعول على غرار القطاع بكامله على شروط الاعتمادات لتمويل نموها السريع.
وقال دان آيفز “يبدو أن زيادة معدلات الفائدة انتهت، ما يبدد غيمة هائلة عن القطاع”.
غير أن انجيلو زينو حذر بأن الشركات ذات القيمة السوقية المتوسطة لا تحظى بالآفاق ذاتها، مشيرا إلى أن بعض الشركات “الأكثر تواضعا ستجد صعوبة أكبر في التكيف مع تشديد شروط الوصول إلى القروض” نتيجة الاضطرابات في القطاع المصرفي، لا سيما وأن الأزمة انطلقت مع إفلاس بنك سيليكون فالي الذي يعد الكثير من الشركات التكنولوجية الناشئة بين عملائه. ورأى أن هذه الشركات “ستضطر إلى أن تكون أكثر انتقائية”.