الرباط/ خالد بوبكري
عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب الذي تدرج في مناصب المسؤولية بهذه المؤسسة منذ 1962 وحتى 1972، ويتقلد بعد ذلك مناصب سامية تراوحت بين وزير ومدير عام بمؤسسات مالية ومهنية مختلفة أكسبته تجربة وخبرة نقدية وسياسية، يجد اليوم نفسه أمام حكومة تريد إعادة “تربيته” في المجال المالي والإقتصادي.
لماذا وكيف؟
الحكومة الحالية ورئيسها شخصياً عزيز أخنوش، إنزعج كثيراً من الرجل وقرارات بنكه المتعلقة بكيفية معالجة إشكالية “التضخم” ببلادنا، والتي أعتبرها تستهدف العمل الحكومي وتحمله مسؤوليات وتبعات لا علاقة له بها.
فحاول بشتى الوسائل ثنيه ودفعه للتراجع عنها أو تعديلها، لكن بدون جدوى.
فإضطر لنقل خلافه مع والى بنك المغرب للديوان الملكي للحسم في الموضوع، كما صرح بذلك مسؤول حكومي لمنابر إعلامية وطنية مختلفة.
ولنعد لأصل الحكاية، وما الذي حدث حتى إنزعجت الحكومة من الجواهري وهو يحاول تدبير معضلة التضخم ببلادنا؟
بعد تعيين حكومة عزيز أخنوش، وهي التي لم تكمل بعد سنتها الثالثة، قرر بنك المغرب رفع سعر الفائدة لمرتين متتاليتين، الأولى سنة 2022 حيث تم رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 2,5 في المائة.
والثانية يوم 21 مارس 2023، حيث تم رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3 في المائة.
هذا الأمر لم يرق الرجل الثاني في هرم الدولة، وإعتبره بمثابة حبل مشنقة ملفوف على عنق حكومته، ونوع من البلوكاج لعملها المالي والإقتصادي.
فقرر العمل بالمثل المغربي المشهور “كبرها تصغار”، حيث ألقى بهذه الكرة الحارقة في ملعب “التحكيم الملكي”، عله يجد لنفسه مخرجا مشرفا من معركته الطاحنة مع الوالي المثير للجدل والصعب التطويع.
فأخنوش ومن معه يرى أن الرفع في سعر نسبة الفائدة ستكون له تابعات وتأثيرات سلبية على الإقتصاد المغربي، وأن من يتحمل مسؤولية مثل هذه القرارات هي حكومته، وستحاسب عليها شعبياً.
ويعتبر في نفس الوقت أن المهم في هذه المرحلة ليس رفع سعر الفائدة بل إنعاش المقاولات المغربية التي تحتاج للإقتراض مثلها مثل المواطن العادي بطرق تفضيلية ونسب مخففة.
وبين قرار عبد اللطيف الجواهري القاضي برفع نسبة الفائدة إلى 3 في المائة ورفض أخنوش له، يطرح تساؤل مرتبط بمدى إستقلالية مؤسسة بنك المغرب من عدمها في إتخاد قراراتها، وإكتسابها قوة الشئ المقضي به.
والملاحظ حسب عدد من الخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي، أن الجواهري صار مصدر إزعاج لعدد من المؤسسات والأشخاص المعنويين والذاتيين، بسبب حرصه على إستقلالية مؤسسة بنك المغرب في مسألة قراراتها وسياستها النقدية.
وربما رئيس الحكومة يعي جيدا هذه المسألة وقيمة إستقلالية مثل هكذا مؤسسات، وأنه إصطدم بحائط إسمنتي، لهذا لجأ للتحكيم الملكي للتعرض على هذا القرار والدفع في إتجاه إلغائه أو تعديله.
لكن هذا التدافع والإختلاف حول صواب هذا القرار من عدمه، لم تعد قضية بين أخنوش والجواهري، حيث دخلت على الخط أطراف مختلفة ومؤسسات وطنية ومهتمون وخبراء وأهل الإختصاص، ووصل الأمر إلى صندوق النقد الدولي الذي كان له رأي آخر في الموضوع.
فالصندوق يرى بأن عبد اللطيف الجواهري يعد من بين أفضل محافظي البنوك المركزية، وأنه يُفضل التعامل معه، ومع إقتراحاته في مجال الإستقرار المالي والتعاون في المجال النقدي، وأنه متمسك به لأبعد الحدود.
وهذا الكلام أبلغ للحكومة من طرف “FMI”، بل إن مسؤول بالمؤسسة العالمية، أهمس لهم أن صندوق النقد الدولي محتاج لهذه الكفاءة للعمل في أجهزتها رغم عامل السن.
وفكها يا من وحلتيها. فأخنوش أقحم الديوان الملكي في خلاف كان يمكن حله بطرق ووسائل بديلة، وصندوق النقد الدولي يعبر عن ثقته في الجواهري وقراراته ويتمسك به.