بقلم: عبد القادر حبيب الله
في الوقت الذي كان فيه خطاب الملك بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء رسالة قوية وواضحة تعكس التزام المغرب العميق بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج، نجد أن الأمين العام لمجلس الجالية (مع وقف التنفيذ)، عبد الله بوصوف، يتنقل بين صفحات التاريخ بأخف قدمين، ليركب موجة الخطاب الملكي ويستغل لحظة سياسية فارقة، في محاولة بائسة لتحسين صورته المهزوزة بعد سلسلة من الإخفاقات التي طبعت ولايته على رأس المجلس.
ليس سراً أن بوصوف قد فشل فشلاً ذريعاً في منصبه بمجلس الجالية المغربية بالخارج، رغم التحولات الملكية الكبيرة التي طالبت بتحقيق تطلعات هذه الفئة الحيوية من المجتمع المغربي. فبينما كان الخطاب الملكي يحمل إشادة واضحة لمغاربة العالم وتكريماً لتضحياتهم، كان عبد الله بوصوف يتخبط في ملفات لا حصر لها، من بينها قضية التمويل المشبوه، التي تطارد اسمه اليوم بعد أن تم إحالة اسمه على النيابة العامة في قضية ضخ الأموال في حساب شخص مبحوث عنه، وهو ما يُعد خيانة عظمى لثقة الدولة والشعب في المسؤولين عن شؤون المغاربة في الخارج.
لكن الأفظع من ذلك هو أن بوصوف لا يكتفي فقط بإدارة فاشلة أو تورط في قضايا فساد مالية، بل يركب اليوم على خطاب الملك محاولاً الاستفادة منه في مسعى غير شريف للظفر برئاسة المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، والتي أعلن عنها الملك كإطار جديد يتماشى مع تطلعات الجالية، ليحولها إلى مجرد أداة لتحقيق مصالحه الشخصية ومكتسباته السياسية.
ففي الوقت الذي شدد فيه الملك على ضرورة إعادة هيكلة حقيقية من أجل تدبير أفضل لشؤون المغاربة في الخارج، وتحقيق أهداف اقتصادية وثقافية واجتماعية ضخمة، نجد عبد الله بوصوف يسعى جاهداً إلى التحكم في هذه المؤسسة الجديدة، وفقاً لما يُروج له من مقربين له. إذا كان قد فشل في منصبه كأمين عام لمجلس الجالية، فهل سيكون بمقدوره اليوم تولي مسؤولية جديدة في مؤسسة معقدة تحتاج إلى حوكمة رشيدة وفعالة؟ الجواب بسيط: لا.
إلى جانب ذلك، لا يمكن أن نتجاهل الصفقات والدراسات والسفريات المشبوهة وغيرها..، والتي جرى الحديث عنها، والتي راج أنه تم تفويت مشاريع لمقربين من بوصوف، مما يفتح الباب أمام شكوك كبيرة حول كيفية إدارة الموارد العامة والأموال التي يدار بها مجلس الجالية. هذا كله يحدث في وقت يتحدث فيه الملك عن ضرورة تحديث وتطوير آليات العمل وإعادة النظر في النموذج الحكومي للمؤسسات التي تعنى بشؤون مغاربة العالم.
هل يعقل أن يتحمل بوصوف اليوم، وهو الذي فشل في تدبير شؤون الجالية وعاش على وهْم النجاح، مهمة قيادة مؤسسة جديدة تأمل في تقديم حلول حقيقية لمغاربة الخارج؟ إن الرغبة في العودة إلى الأضواء عبر محاولة ركوب على خطاب الملك ليست سوى محاولة يائسة لإعادة تدوير ذاته بعد سلسلة من الفضائح التي أظهرت عجزه التام عن إدارة ملف حساس بهذه الأهمية.
إن الخطاب الملكي كان دعوة للتغيير والتجديد، ولكنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون غطاءً للمتورطين في هكذا قضايا أو للذين فشلوا في تنفيذ التوجيهات الملكية. فالمغاربة في الخارج لا يحتاجون إلى شعارات فارغة أو منصات جديدة لذوي المصالح الشخصية. إنهم بحاجة إلى قيادة حقيقية قادرة على إحداث التغيير وإعادة الثقة في المؤسسات التي تمثلهم، وهو ما لا يمكن أن يتحقق تحت قيادة من تورط في ملفات مالية مشبوهة وفساد واضح.
لا بد أن يدرك عبد الله بوصوف أن المغاربة المقيمين بالخارج أذكى بكثير من أن تنطلي عليهم محاولات ركوب على الخطابات الملكية. المملكة تحتاج اليوم إلى رجال دولة حقيقيين، لا إلى شخصيات تسعى وراء مصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة.