بقلم: خالد بوبكري
“يكفيك مني عقابا بأنني لن أراك كما كنت أراك”.
محمود درويش
شق حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، طريقا طويلا وشاقا نحو الاندثار، واجتهد من اجتهد ليعبد طريق هذا الحزب، الذي كان فاعلا أساسيا ومؤثرا في الفضاء السياسي وينعم بالحيوية والنشاط، يعطي للسياسة معنى وحياة، ليصير جثة هامدة، عاجز عن الفعل والتفاعل وينتظر معجزة كبرى لإنعاش أعضائه.
الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي عرفه المغاربة كحزب وطني محترم، من خلال مواقفه وإسهاماته في معركة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والذي كان كل مغربي يجد صوته داخله، تحول منذ عقد من الزمن إلى ما يشبه مومياء محنطة لا تشتكي من جور، ولا تطالب بحق، ولا تعبر عن موقف، ولا تفتح فمها في وجه حاكم أو سلطة.
هذه الخلاصة التي مفادها أن الاتحاد الاشتراكي تحول “لجسم منخور” ليست مجرد موقف أو رأي، بل هي الحقيقة الساطعة، التي يقر بها الجميع، في جميع المشارب سواء كانوا فاعلين سياسيين أو مراقبين وأكاديميين.
في الآونة الأخيرة، توضح للعيان، مآل الاتحاد الاشتراكي، حين نشب صراع حاد بين أعضاء الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين ، وتم نقله إلى جلسة عمومية بالغرفة الثانية التي تابعها المغاربة على المباشر، صراع لم يكن بسبب الزيادة في الأسعار أو المشاكل التعليمية أو مشروع قانون المالية، بل يتعلق بنزاع حول رئاسة الفريق الاشتراكي.
مشهد مزق السياسة ومزق التنظيم وترك انطباعا واحدا نحن أمام العبث، وأمام أنفاس أخيرة يلفظها هذا الحزب، المستشار البرلماني وابن عضو المكتب السياسي اسماعيل العالوي ، طلب نقطة نظام، قبل انطلاق جلسة الأسئلة الشفهية، مؤكدا أن الفريق راسل ” مجلس المستشارين كتابيا يوم 15 أكتوبر 2024 وأخبر أن أعضاء الفريق الاشتراكي لم يشكلوا الفريق ولم ينتخبوا الرئيس ووقعوا فقط على الحضور”. وحدهم الاتحاديون كانوا خارج السياق ووحدهم من دون الفرق كانوا شاردين متصارعين على رئاسة فريق، واكتفى الحضور بالتفرج على مأساة تنظيم أراد له أهله الهلاك.
ولحدود هذه اللحظة لم يتم حل هذا الإشكال، من طرف الكاتب الأول، لذات الحزب ولا من طرف قيادته وكأن الأمر عادي ويدخل في مجال المعمول به. ولعل الوضع بات فعلا طبيعيا، ما دام أن مهمة خلط الأوراق، وتعدد الأوجه والمواقف، هي ما يميز اليوم الإتحاد الاشتراكي، الاتحاد المعارض، الذي يهادن ويغازل الأغلبية ويطمع في رضاها وفي أن يكون نصيبه ربع منصب وبعد أن أقفلت الأبواب بصفة نهائية تاه الاتحاديون وأرادوا معارضة بأفواه تملأها المياه.
لا تنشغل قيادة الاتحاد الاشتراكي، بالبحث عن موقعها الحقيقي ضمن أحزاب المعارضة، بل هي لا تبحث عن أي أمر يمثل مطلبا من مطالب الشعب المغربي، هذا آخر شيء يمكن أن يشغل بال قيادة الإتحاد الاشتراكي، فهي غير معنية بمشكل طلبة الطب ولا رجال التعليم والمحامين وبارتفاع الأسعار واستهداف الطبقة المتوسطة، والجمع بين المال والسياسة…بعدما كان الاتحاد أقرب ما يمكن للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسة للمغاربة.
فضيحة استفادة ابن الكاتب الاول ادريس لشكر من مبالغ مالية مهمة ناهزت 200 مليون سنتيم، رفقة آخرين، بمبرر انجاز دراسات لفائدة الحزب، وترتيب كافة الآثار ارتباطا بموقعه التنظيمي ووضعه الاعتباري، أجهزت على كل ما يمكن أن يكون نبيلا في الاتحاد الاشتراكي، وطرحت علامات استفهام حول هذه الجسارة التي جعلت من رجل السياسة ناهبا للمال العام بأي طريقة.
لكن العارفين بوضع الاتحاد لم يجدوا في الأمر أية غرابة لمعرفتهم أولا بالقيادة التي تحكم قبضتها على الحزب، ومتابعتهم تآكل التنظيم عاما بعد عام بعدما تم استبدال مناضليه ومثقفيه بمشاورية وزبناء، وعطاشة، وتراجعت شعبيته بشكل مفزع، وانهار منسوب الثقة في قيادته التي تشتغل وتتخذ قراراتها وفق منطق الفردانية والعائلية.
المغرب في حاجة إلى حزب وطني مثل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بمواقفه المتميزة والشجاعة وأفكاره وأطروحاته المتنورة، والمغاربة يستحقون كذلك قيادة من طينة عبد الرحيم بوعبيد واليوسفي واليازغي وفتح الله والراضي… بمواقف ومبادى وقيم إنسانية بديلة.
وحتى يتم بعث روح جديدة في جسد الإتحاد الإشتراكي نقول: “هناك من يتذمر لأنّ للورد شوكاً، وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة”.