أطلق كريم زيدان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، الذي لم يمض على توليه المنصب أقل من شهر صفقة دولية مفتوحة بقيمة 2,800,000.00 درهم، للبحث عن “داعم تقني” لتسيير وزارته.
ويُخشى أن تتحول الصفقة من مجرد دعم تقني إلى نقل فعلي لمهام الوزارة إلى مكتب دراسات خارجي. هذه الصفقة، التي تأتي في سياق خارطة الطريق التي وضعتها الوزارة، تثير تساؤلات جدية حول استقلالية الوزارة وقدرتها على تنفيذ سياساتها الداخلية دون الاعتماد المفرط على أطراف خارجية.
وحسب وثائق الصفقة التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ”، والتي تحمل رقم 03/DGCEPP/2024، فإنها لا تقتصر على تقديم استشارات تقنية أو دعم محدود، بل تمنح المكتب الذي سيفوز بها صلاحيات واسعة تشمل إعداد أدوات التقييم مثل لوحات التحكم ومنصات المتابعة.
والأمر الأكثر إثارة هو أن المكتب الذي سترسو عليه الصفقة، لن يكتفي بتقديم هذه الأدوات، بل سيعمل على مساعدة فريق المديرية العامة لتنسيق وتقييم السياسات العامة في تبنيها وإدارتها، مما يضع المديرية في موقع التابع بدل القائد.
بالإضافة إلى ذلك، ووفقا للوثائق التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” تتضمن المهام المطلوبة وضع خطة رصد تشريعية وتنظيمية، تتيح متابعة النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة بتقارب السياسات العامة وتقييمها بشكل مستمر. كما سيكون على “المحظوظ بالصفقة” تصميم ونشر عمليات تقييم السياسات العامة، بدءًا من تحليل الوضع الحالي، مرورًا بتقديم توصيات لتحسين الأداء، وصولًا إلى تطوير نماذج تقييم ومؤشرات أداء تُوثق بتقارير دورية تفصيلية.
ليس ذلك فحسب، بل سيمتد دور المكتب إلى تنظيم أوراش عمل وأنشطة تدريبية لفريق المديرية العامة، وتقديم تقارير مرحلية ونهائية تُطبع بجودة عالية وباللغة الفرنسية. خلال مدة العقد، التي تمتد لـ365 يومًا، سيعمل المكتب كمقدم للدعم التقني والمنهجي، ولكن عمليًا سيضطلع بدور تنفيذي كبير قد يُغني الوزارة عن القيام بمهامها الحيوية بنفسها.
الأكثر إثارة هو أن الوزارة تحتفظ بحق استبدال أي عضو من فريق المكتب إذا لم يكن أداؤه مرضيًا، وهو الفريق الذي يجب أن يشمل خبيرًا في السياسات العامة بخبرة لا تقل عن 10 سنوات، خبيرًا في الاستراتيجية وخطط العمل يمتلك سجلًا في تنفيذ استراتيجيات وتحويل المؤسسات العامة، وخبيرًا في التنظيم والعمليات ذو تجربة في إعادة هندسة العمليات التنظيمية. كما يجب أن يضم فريق المكتب أربعة مستشارين كبار متخصصين في دعم مشاريع التحول العامة، خبيرًا في تقييم السياسات العامة متمرسًا في إدارة مؤشرات الأداء وتقييم السياسات القطاعية، ومستشارًا متخصصًا في إعادة هندسة العمليات ووضع الإجراءات. مما يعكس اعتمادًا كبيرًا على هذا الفريق في تنفيذ المهام المطلوبة. هذا الشرط وفق ما جاء في الوثائق التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ”، وإن بدا في ظاهره ضمانًا للجودة، يكشف عن مدى التداخل بين أدوار الوزارة ومكتب الدراسات الذي سوف يفوز بالصفقة.
وتبدو هذه الصفقة أكثر من مجرد عقد تقني، إذ إنها إعادة توزيع للمهام والمسؤوليات بشكل يضع الوزارة في موقف المتفرج على تنفيذ سياساتها، مما يثير تساؤلات جوهرية حول كفاءة الأداء الحكومي ومدى تأثير هذه الصفقة على سيادة الوزارة في اتخاذ وتنفيذ قراراتها الاستراتيجية.
تعيين كريم زيدان وزيرا منتدباً لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، رافقته بهرجة إعلامية غير مسبوقة، أُطلق خلالها وابل من التصريحات من طرف شباب حزب التجمع الوطني للأحرار حول خبراته الدولية وخاصة في “بي إم دبليو”، وأُحيط بهالة من التوقعات بشأن قدرته على إحداث نقلة نوعية في قطاع الاستثمار. هذا القطاع، الذي يُعدّ واحدًا من أكثر القطاعات الوزارية حساسية وأهمية، يتطلب شخصية ذات خبرة كبيرة في إدارة السياسات الاقتصادية الكبرى. ومع ذلك، فإن إطلاقه لصفقة بـ280 مليون سنتيم لنقل مهام وزارية جوهرية إلى مكتب دراسات خارجي يثير شكوكًا حول مدى أهليته لتحقيق الإصلاحات التي تم الترويج لها.
كما أن إعفاء محسن الجزولي، المعروف بعمله الهادئ بعيدًا عن الأضواء، والذي جاء وسط حديث بوجود خلافات له مع رئيس الحكومة، يُعزز التساؤلات حول ما إذا كان تعيين كريم زيدان يأتي لتعزيز سيطرة رئيس حزب “الحمامة” على وزارة الاستثمار، إذ أن العلاقة الوطيدة التي تجمعهما تضيف مزيدًا من الغموض، لاسيما في ظل عملية توزيع المناصب على المقربين والمستخدمين وأصحاب الولاء.
ويبدو أن الوزارة قد تتحول إلى مجرد منصة لتبرير قرارات تُتخذ في الكواليس، تُغلف بالبهرجة الإعلامية، بينما الهدف الحقيقي هو تعزيز نفوذ رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وتكريس المحسوبية في قطاع حيوي يُفترض أن يكون ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي الوطني.