المغرب.. الحصن الذي يسقط أحلام الإرهاب العابر للحدود

بقلم: ابراهيم خليفة

في مواجهة الإرهاب الذي يتربص بالأمن والاستقرار العالميين، يبرز المغرب كقوة أمنية لا تُضاهى، إذ يدير معركة غير تقليدية ضد تهديد عابر للحدود لا يعترف بالسيادة أو الجغرافيا. ولعل العملية الأمنية الأخيرة، التي قادتها الأجهزة الأمنية المغربية بتنسيق مع نظيرتها الإسبانية لتفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم “داعش” بالساحل، لم تكن مجرد نجاح أمني عادي بل صفعة قوية لكل من يعتقد أن الإرهاب يمكنه أن يجد ثغرة في جدار الأمن المغربي. وهكذا، يُبرز هذا الإنجاز مرة أخرى أن المغرب لا يحمي حدوده فقط، بل يسهم في صياغة قواعد جديدة لمفهوم الأمن الدولي.

ما يجعل العملية أكثر تميزا هو أنها ليست استجابة لأحداث ماضية، بل إجراء استباقي حاسم قطع الطريق على خلية إرهابية كانت تعمل على الترويج للفكر الداعشي بين شمال المغرب وإسبانيا، في حين كانت تخطط لهجمات إرهابية داخل البلدين قبل الالتحاق بالتنظيم في منطقة الساحل. ومن هنا، يُظهر المغرب مرة أخرى أن معركته ضد الإرهاب ليست معركة دفاعية فحسب، وإنما هي هجوم استراتيجي يهدف إلى اقتلاع التهديد من جذوره ومنعه من التشكل في مراحله الأولى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخلية الإرهابية، التي كانت موزعة بين تطوان والفنيدق ومدريد وإبيزا وسبتة، لم تكن مجرد مجموعة أفراد بل شبكة تمتد عبر الحدود وتعكس الطبيعة المتطورة للإرهاب اليوم. وعليه، فإن التنظيمات المتطرفة لم تعد تعتمد على الهجمات الانتحارية الفردية فقط، وإنما باتت تستثمر في شبكات معقدة تتغذى على هشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية في مناطق النزاع مثل الساحل. ولهذا السبب، فإن المغرب، بفضل قدراته الأمنية المتقدمة وشراكاته الاستراتيجية، أثبت أن لديه القدرة على تفكيك هذه الشبكات في مهدها، كما أثبت أنه قادر على حماية أمنه وأمن شركائه.

علاوة على ذلك، فإن هذا الإنجاز الأمني يثير التساؤل حول السبب الذي يجعل المغرب يحقق نجاحا مستمرا في مواجهة الإرهاب، بينما تكافح دول أخرى لتحقيق نتائج مشابهة. وللإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى الاستراتيجية المغربية التي تجمع بين الحرفية الأمنية والمقاربة الشمولية. إذ إن المغرب لا يُركز فقط على العمل الاستخباراتي الميداني، بل يعتمد أيضا على مواجهة الفكر المتطرف عبر برامج تنموية وثقافية ودينية تهدف إلى تجفيف منابع الإرهاب قبل أن تتحول إلى تهديد ملموس. وبذلك، فإن هذه الرؤية تجعل من المغرب ليس مجرد لاعب إقليمي، بل شريكا دوليا يعتمد عليه في الحرب العالمية ضد الإرهاب.

لكن، هل يمكن للمغرب أن يتحمل وحده عبء حماية المنطقة؟ في الواقع، تظهر العملية الأخيرة أهمية الشراكات الأمنية الاستراتيجية، وخاصة تلك التي تجمعه مع إسبانيا، التي تدرك جيدا أن استقرارها الداخلي مرتبط ارتباطا وثيقا بالكفاءة الأمنية المغربية. لذلك، فإن هذا التحالف الأمني بين الرباط ومدريد ليس مجرد تعاون تقليدي، بل هو تحالف استراتيجي متقدم يبرز كيف يمكن لدولتين مختلفتين أن توحدا جهودهما لخلق نموذج عالمي في مواجهة الإرهاب.

وما يجعل التعاون المغربي الإسباني استثنائيا هو أنه يعتمد على التكامل في القدرات الأمنية، بحيث تجمع الأجهزة المغربية بين خبرتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية وشبكاتها، وبين التقنيات المتطورة لتتبع الأنشطة الإرهابية. وبالتالي، فإن العملية الأخيرة، التي أجهضت مخططات خلية إرهابية كان يمكن أن تسبب كوارث، تبرز أن هذا التعاون لا يقتصر على تبادل المعلومات فقط، بل يمتد إلى التخطيط الميداني والتنفيذ المشترك، مما يجعل من الصعب على أي تهديد إرهابي أن يجد فرصة للنجاح.

لكن الأهم من ذلك، أن هذه العملية ترسل رسالة واضحة بأن المغرب لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي تهديد لأمنه أو أمن حلفائه. وفي مواجهة الإرهاب، الذي حاول مرارا التسلل عبر مناطق النزاع والهشاشة، وجد نفسه أمام حاجز منيع يتمثل في الأجهزة الأمنية المغربية. ولذلك، فإن المملكة لا تراهن فقط على قوتها الداخلية، بل تظهر أنها قادرة على الدفاع عن أمن المنطقة بأكملها، حيث تبرز شراكاتها الأمنية أنها ليست مجرد التزام دبلوماسي، بل استراتيجية متكاملة لحماية الاستقرار الإقليمي والدولي.

ومن الجدير بالذكر أن النجاح المغربي في مواجهة الإرهاب لم يأتِ من فراغ، إذ إنه نتيجة لسنوات من الاستثمار في بناء أجهزة أمنية ذات كفاءة عالمية، إضافة إلى اعتماد استراتيجية استباقية تمنع أي تهديد قبل أن يتحول إلى واقع. ومن هنا، فإن هذا النجاح، الذي يتجدد مع كل عملية نوعية، يبرز أن المغرب لا يدافع فقط عن نفسه، بل يضع معايير جديدة لمفهوم الأمن الدولي. وبذلك، فإن المملكة ليست مجرد حائط صد في وجه الإرهاب، بل هي قوة تعيد رسم خريطة الاستقرار في منطقة تُعتبر من بين الأكثر عرضة للتهديدات.

واليوم، بينما تزداد التحديات الأمنية تعقيدا، يثبت المغرب أن لديه الإرادة والقدرة على مواجهة أي خطر مهما كان حجمه أو تعقيده. وهكذا، فإن العملية الأخيرة ليست فقط إنجازا أمنيا، بل هي إعلان واضح أن المملكة المغربية، بفضل استراتيجيتها الشاملة وشراكاتها الدولية، أصبحت الحصن الذي تتحطم أمامه أحلام الإرهاب، والقوة التي تعيد تشكيل معادلة الأمن في المنطقة والعالم.