هاشتاغ _ أكرم الدرفوفي
الظهور الأول لمحمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تحت قبة البرلمان، كان بمثابة الصفعة السياسية التي أيقظت المغاربة على واقع عبثي تُدار فيه المناصب الوزارية بمعايير الولاء والمحسوبية، بعيدًا كل البعد عن الكفاءة والمسؤولية. الوزير الذي عُيّن حديثاً، والذي قفز من عالم المال والأعمال إلى رأس قطاع يعاني من اختلالات هيكلية عميقة، أثبت في أول اختبار له أنه أبعد ما يكون عن تحمل هذه المسؤولية الثقيلة.
في جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الإثنين 25 نونبر الجاري، بالغرفة الأولى، ظهر الوزير مرتبكا، متلعثما، يقرأ نصا م بكتوبا الدارجة كأنه موظف صغير يخشى مواجهة رؤسائه. لم يرفع رأسه عن الورقة التي كانت ملاذه الوحيد، غير قادر على الإجابة عن سؤال بسيط حول التعليم الأولي، ومتجرئا على الاكتفاء بتعهدات بالرد كتابيا على تعقيبات البرلمانيين. هذا المشهد المثير للشفقة ليس مجرد ضعف شخصي، بل يعكس غيابا حقيقيا للرؤية والجاهزية في حكومة تواصل إهانة مؤسسات الدولة بمثل هذه التعيينات.
كيف لرجل مثل محمد سعد ردة برادة، الذي لا يملك أي خبرة أو علاقة بمجال التربية والتعليم، أن يُعيّن وزيرا لقطاع يحدد مستقبل المغرب؟ الجواب واضح، الولاء لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، والانتماء لدائرته الاقتصادية الضيقة. برادة، الذي يملك شركات لصناعة الحلويات والأدوية والبناء، وشغل مناصب في شركات تابعة لهولدينيغ “أكوا”، ليس إلا نموذجا صارخا لمنطق المحسوبية الذي جعل من مؤسسات الدولة أدوات لخدمة المصالح الاقتصادية والسياسية للنخب.
هذا الوزير، الذي بدا وكأنه جاء لتسيير مشروع تجاري وليس قطاعا اجتماعايا استراتجيا، هو امتداد طبيعي لنهج سياسي يستهتر بتطلعات وطموحات المغاربة. كيف يمكن لرجل أعمال، يحمل سجلا حافلًا في تأسيس شركات للحلويات والأدوية، أن يتعامل مع ملفات مصيرية كالتعليم الأولي، ارتفاع رسوم المدارس الخاصة، وأزمة جودة التعليم العمومي؟ هل بات التعليم مجرد ملف يُدار بعقلية مقاولاتية لا تفهم سوى لغة الأرباح والخسائر؟
المشهد الذي قدمه برادة في البرلمان لم يكن فقط مخيبا للآمال، بل كان إهانة للمؤسسة التشريعية وللشعب المغربي. النواب الذين يمثلون صوت الأمة وجدوا أنفسهم أمام وزير غائب حاضر، يهرب من المواجهة، ويختبئ خلف الردود الكتابية التي اعتبروها شكلاً جديدًا من الغياب المقنع. إذا كانت الحكومة ترى أن هذا النوع من الأداء يمكن أن يمر مرور الكرام، فهي تستخف بوعي المغاربة وبمستقبل أبنائهم.
التعليم في المغرب ليس ملفا يمكن العبث به. نحن نتحدث عن قطاع يعاني من اختلالات بنيوية، من ارتفاع مهول في رسوم التعليم الخاص، إلى غياب العدالة الاجتماعية في توفير التعليم العمومي الجيد، إلى نقص الموارد البشرية وضعف البنية التحتية. هذا القطاع يحتاج إلى قائد حقيقي، يحمل رؤية واضحة وشجاعة للتغيير، لا إلى وزير يُلقي خطابا مكتوبا بالدارجة ويهرب من تعقيبات النواب.
ما يزيد الطين بلة هو أن هذا التعيين يعكس إصرارا مقلقا من الحكومة على الاستمرار في نهج يفضل المصالح الضيقة على المصلحة العامة. كيف يمكن لمغاربة يئنون تحت وطأة أزمات اجتماعية واقتصادية أن يثقوا في حكومة تسند مسؤولية التعليم إلى شخص بلا خبرة ولا رؤية، فقط لأنه قريب من رئيس الحكومة؟ هذا هو السؤال الذي يتردد اليوم في كل بيت مغربي.
إذا لم يكن محمد سعد برادة قادرًا على مواجهة أسئلة البرلمان، وإذا كان عاجزًا عن تقديم رؤية حقيقية لإصلاح التعليم، فإن بقاءه في هذا المنصب لا يُشكل فقط عبئًا على القطاع، بل خطرًا على مستقبل أجيال كاملة. المغاربة لا يحتاجون إلى وزراء “ديكور”، بل إلى قادة حقيقيين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
على الحكومة أن تدرك أن المغاربة لن يقبلوا باستمرار هذه السياسة العرجاء. التعليم ليس مجالًا للتجارب السياسية، ولا يمكن أن يُترك في يد وزير جاء من عالم الأعمال دون أن يحمل أي دراية بتعقيدات هذا القطاع. إذا كانت الحكومة جادة في إصلاح التعليم، فإن أول خطوة يجب أن تكون الاعتراف بخطأ تعيين محمد سعد برادة، وتصحيح هذا العبث الذي يضر بمصلحة البلاد ومستقبل أبنائها.