الجزائر و”الريف المغربي”خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟

بقلم: د. محمد الزهراوي

يبدو المشهد سريالي، لكن، تبدو معه الجزائر أكثر انسجام مع نفسها من السابق، لا شعارات مصطنعة، لا تقرير المصير، حيث غدت وبدون “مساحيق تجميل” من الدول التي تحتل الريادة في العالم في القفز على الواقع والتاريخ والجغرافيا والجوار، حكامها يعيشون حالة “انكار”غير مسبوقة، “صار الجار”متعهد جمهوريات”مثل متعهد الحفلات”،يهوى خلق “دويلات/جهوريات”، لماذا يحاول هؤلاء قادة الجيش بهذا الحماس والتهور أحيانا كثيرة خلق ” دويلات صغيرة”، وكأنهم لا يدركون خطورة و استحالة ذلك .

لربما عقدة التاريخ، إذ يحاول “حكام الجارة” أن يتخلصوا من هذه العقدة من خلال خلق “كيانات مصطنعة” بدون تاريخ أو هوية، لكنهم، في كل مرة يخطئون التقدير، أو يجهلون التاريخ، فالريف المغربي باختصار جزء لا يتجزأ من تراب الأمة المغربية، الأمر لا يحتاج إلى برهان أو ترافع، هم يدفعون المغاربة لذلك، أو على الأرجح عقدة الجغرافيا، إذ يجازفون من خلال الاعتقاد أن الأمم والشعوب تقاس بالإقليم أو الأرض وإن كانت بقعة صغيرة لبناء وحدات سكنية، وهي سردية خاطئة. فالتاريخ عبارة عن جغرافيا متحركة، والجغرافيا تاريخ ساكن.

ورغم ما قيل ويقال، يظل “الجار العسكري” وفيا لعقيدته العدائية ومذهبه الشوفيني، ونزعته الاصطدامية، وهو بالمناسبة يصطدم حتى مع نفسه دون كلل أو ملل، صراعات ودسائس داخلية لا تتوقف، شعب رغم الإمكانات الهائلة يعيش وضعا مزريا، طقوس إقالة للجنرالات مستمرة عبر الزمن، في كل ساعة ويوم وأسبوع وشهر، سجون مليئة بمن كان يحكم بالأمس القريب، حرب الكل ضد الكل، مقولة طوماس هوبز غالبا يطبقها حرفيا قادة أو من يحكمون عنوة الجار اليوم.

بعيدا عن هذا التوصيف، فالسردية الجديدة للجار العسكري، محورها الريف المغربي، فبعدما فشل في خلق ” إمارة صحراوية” في الجنوب المغربي، يحاول اليوم، وبقليل من الحيلة وكثيرا من الغباء أن يصطنع ” إمارة ريفية”. وتعود أطوار الحكاية، إلى السبت الماضي 23 نونبر 2024، حيث بثت قصاصات الإعلام الدعائي للجار مفادها استضافة الجزائر العاصمة للدورة الأولى لما سمي ب ” مؤتمر يوم الريف”، ومن أجل إضفاء الطابع الاحتفالي على هذه ” المسرحية”، تمت دعوة مسؤولين من جنوب إفريقيا والموزمبيق وبرلمانيين وزعماء جزائريين والبوليساريو.

أطوار الحكاية، تعود إلى سنوات غير بعيدة، كرنولوجيا الأحداث موثقة وبسياقات تؤكد أن هذا النظام فقد البوصلة، وبات يخبط عشواء، إذ حاول أن يركب على حراك الحسيمة سنة 2017 وفشل في ذلك، رغم أن السياق في تلك الفترة يفند ادعاءاته وسرديته المؤسسة للعداء(الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، والكركرات)، كما، عمل الحاكم العسكري للجار، على توظيف واستغلال بعض الأشخاص الذين يوجد مثلهم في كل مكان وفي كل الأوطان وهم أقلية صغيرة بغية تأسيس ما يسمى “الحزب الوطني الريفي” وفتح مكتب(تمثيلية) له في الجزائر، والذهاب بل القفز بعيدا في هذا المضمار، من خلال إحياء الذكرى 60 لوفاة عبد الكريم الخطابي، ليتجاوز مضمار السباق بشكل ملفت ومنفلت، عندما احتفل رفقة هذه القلة القليلة بالذكرى المائة لتأسيس ” جمهورية الريف”.

لقد توقف الزمن “بالحاكم العسكري”، ولا يزال يعيش على أنقاض الماضي، عندما كانت الجمهوريات عنوان العصرنة والتحديث، أيام الخمسينات والستينات من القرن الماضي، إلا أن هذا الحاكم، رغم سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأفول نجم الجمهوريات، ولو أنها أصبحت اليوم مجرد ” جمهوريات عسكرية” مترامية الأطراف على الأرقعة العربية.

وبعيدا عن تفاصيل تلك الحقبة التي يختزلها المشهد والواقع الحاليين، ما الذي يحاول أن يقوله “الحاكم العسكري” لدى الجار بهذا التصرف الذي قد يستحي المرء من توصيفه بشكل أدق، وعند استدعاء الأحداث ومحاولة فهم السياقات وتركيب الصورة، قد لا يخرج هذا المسلك الجديد عن فرضيتين أساسيتين مع استبعاد دافع العداء، لاسيما وأنه متأصل في شريان وعقل هذا الحاكم ومن يدور في فلكه.

الأولى، بلا شك يحاول، هذا الحاكم العسكري الجزائري، أن يفتح جبهة جديدة بعدما أيقن أن ملف الصحراء قد حسم بشكل كبير في ظل الزخم الدولي، إذ باتت ورقة انفصال إقليم الصحراء ورقة خاسرة، صار هذا الملف منلفتا، فلم تعد روسيا ولا فرنسا ولا أمريكا ولا اسبانيا بنفس حماس الأمس، الماضي الجميل قد ولى، صارت الأوراق مبعثرة، وضع دولي معقد لا يخدم أطروحة الانفصال مثل الأمس، خسرت معه الجزائر كل شيء، لكنها ربحت مخيمات مليئة بالبؤس واليأس، ووضع مشتعل قابل للانفجار في أية لحظة.

أما الفرضية الثانية، فقد لا تخرج عن الإطار التكتيكي، إذ يستبق الحاكم العسكري الزمن من أجل إيجاد أوراق تفاوضية جديدة لتقوية موقعه من خلال محاولة تدويل ملف الريف بذرائع ومسميات مختلفة، سيما وأن المغرب تسلم وثائق مهمة من فرنسا تؤكد أحقيته على الأقاليم الشرقية التي اقتطعها الاستعمار منه، فهو يدرك أنه خرج أو في طور الخروج من رقعة الشطرنج، يحاول أن يعود من بعيد من خلال توظيف ورقة الريف. مجيء ترامب والارشيف الفرنسي، عاملان غالبا دفعا هذا الحاكم العسكري إلى المضي قدما في سياساته العدائية.

ختاما، يبدو أن عملية جر المغرب إلى الحرب وصلت إلى نهايتها ومنتهاها، سيناريو يظل قائم أكثر من الأمس، سيما وأن قواعد الاشتباك تغيرت بشكل كبير، فالصورة أوضح، إذ كل المؤشرات تؤكد أن الحاكم العسكري دخل مرحلة “الانهيار” عن جدارة واستحقاق، وضع قد يدفعه إلى تجاوز سقف التوقعات بل وحتى الحماقات.