هاشتاغ _ فؤاد الزكراوي
كثر الحديث مؤخرًا عن التغييرات التي تعتزم الحكومة المضي فيها بشأن إعادة تشكيل الهيئات العاملة في مجال التغطية الصحية، ضمن ما تراه الحكومة، حسب رأيها الليبرالي الصرف (كي لا نقول المتوحش)، كطريقة لتنفيذ مشروع الدولة الاجتماعية الذي دعا إليه صاحب الجلالة نصره الله وأيده.
وبغض النظر عن الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها هذه الحكومة في مجال تنفيذ خطة تعميم التغطية الصحية، والتي تستدعي منا العودة لها بشكل مفصل في مقالات أخرى، يبقى السؤال الذي يؤرقنا الآن هو: لماذا الإصرار على دمج صندوقي التغطية الصحية للقطاعين العام والخاص؟ ولِنكون أكثر دقة في السؤال: لماذا تم تقديم الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS” كقربان، تمت التضحية به عبر فرض عملية ابتلاعه قسرًا من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “CNSS”؟ ولماذا لم تجد التغطية الصحية للقطاع العام من يدافع عنها، أو على الأقل من يزعج هذا المخطط الذي ستكون له تداعيات وخيمة؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعود قليلًا للتاريخ لنذكر بأن التغطية الصحية في المغرب رأت النور منذ أزيد من مائة سنة (100 سنة)، أي منذ تأسيس تعاضدية رجال الأمن الوطني في سنة 1919، لتليها فيما بعد تعاضديات القطاع العام بشكل متوالي، مراكمين تجربة فريدة ونوعية معززة بنضالات رجال صادقين كانت لهم رؤية واضحة لحقوق الموظف ولمفهوم التغطية الصحية كحق إنساني يعلو على أي حسابات مالية ضيقة.
وكل ذلك كان قبل أن يتم إشراك الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “CNSS” في مجال التغطية الصحية، والذي يُعتبر نسبيًا وافدًا جديدًا عليها، بينما كان الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS”، باعتباره تجمعًا للتعاضديات، هو رأس الحربة في تطوير قطاع التغطية الصحية حتى قبل “التغطية الصحية الإجبارية AMO”، والتي كانت فيما قبل بين التعاضديات في صيغة “القطاع التكميلي”. فما الذي جعل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS” يتحول من مركز الريادة إلى مجرد تابع؟ وأين التعاضديات المكونة له بما تمثله من نقابات؟
الجواب عن هذا السؤال الأخير واضح وضوح الشمس: لقد تم العمل على إضعاف تعاضديات القطاع العام منذ مجيء مدير “CNOPS” الذي تم تنحيته أخيرًا، وغير المأسوف عليه. فمنذ توليه، عمل على استغلال تشردم النقابيين المسيطرين على التعاضديات وجشعهم، وغرق التعاضديات في الفساد، وعقد بعض التوافقات مع نقابات محددة، ما مكّنه من بسط سيطرة مطلقة على هذا الصندوق. هذا الشيء قام باستغلاله في الإجهاز على مكتسبات القطاع التعاضدي، أي مكتسبات موظفي القطاع العام في التغطية الصحية، وانفرد باتخاذ القرارات في القطاع ككل حتى تحول إلى غول. وعلى سبيل المثال لا الحصر، جعل “المصحة التعاضدية” الكائنة بشارع الجزائر بالرباط، بما تمثله من تاريخ وحمولة نضالية وثقافية ورمزية، مجرد إدارة وملأها بالمكاتب، بعدما أفشل النزهاء من أبناء هذا الوطن ومن خارج التعاضديات التفريط في ذلك المقر وتحويله إلى مجرد وعاء عقاري.
إن مأساة التغطية الصحية للقطاع العام اليوم تمر عبر الفساد المستشري في تعاضديات القطاع العام، والتي تتطلب منا الوقوف عليها في مقالات مفصلة لكل واحدة منها على حدة، علّنا نستخلص الدروس من أجل مقاومة هذا التغول الذي أجهز على كل المكتسبات، ومحاولة استعادة بعض من حقوقنا المشروعة.
(يتبع)