هاشتاغ _ وكالات
يشهد المغرب تحولاً استراتيجياً في سياساته الاقتصادية والدبلوماسية، مع تركيز واضح على تعزيز التعاون مع الصين كجزء من رؤيته للاندماج في منظومة التجارة والصناعة العالمية. يمثل انضمام شركة كوفك الصينية إلى مشروع خط السكة الحديدية عالي السرعة بين القنيطرة ومراكش خطوة إضافية نحو توسيع الشراكة بين الرباط وبكين. هذه الشراكة تأتي في سياق اهتمام المملكة بقيادة الملك محمد السادس بتأمين الدعم الصيني لمشاريع استراتيجية كبرى، مثل خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي من المتوقع أن يدخل مرحلة العطاءات الأولية بحلول عام 2025.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية، برزت الصين كبديل استراتيجي لكثير من الدول والشركات التي تبحث عن تجاوز السياسات الأمريكية والأوروبية الرامية إلى الحد من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بالتعامل مع بكين. الشركات الغربية، بما في ذلك الكندية والأسترالية والكورية الجنوبية، بدأت في توقيع اتفاقيات مع الصين لتنفيذ مشاريع في المغرب. هذه المشاريع تشمل بناء مصانع بطاريات السيارات الكهربائية، إنتاج المواد الكيميائية اللازمة لهذه الصناعة، وتجميع السيارات ومكوناتها. من خلال هذه الشراكات، يسعى المغرب إلى ترسيخ مكانته كمحور صناعي وتجاري عالمي يربط بين الأسواق الأفريقية والغربية، مستفيداً من موقعه الجغرافي الاستراتيجي.
لا يقتصر التعاون المغربي الصيني على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى الأبعاد السياسية والجيوسياسية. فالمغرب يسعى إلى كسب دعم الصين في ملف الصحراء المغربية، وهو أمر يبقى معقداً بالنظر إلى استراتيجية بكين المتوازنة في المنطقة. ورغم ذلك، تسعى المملكة إلى الاستفادة من هذا التقارب لتعزيز استقلاليتها عن النفوذ التقليدي لبعض القوى الكبرى، خاصة فرنسا، التي لطالما ارتبطت معها بعلاقات تاريخية وثقافية واقتصادية.
السياسة المغربية تجاه الصين ليست أحادية الاتجاه؛ فهي تسير في إطار متوازن يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية دون التخلي عن الشركاء التقليديين في الغرب. يظهر هذا النهج بوضوح من خلال حرص المغرب على تجنب الانضمام إلى مبادرات متعددة الأطراف تقودها الصين، مثل مجموعة البريكس. في العام الماضي، نفت وسائل الإعلام المغربية أن المملكة تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة، وهو ما اعتبره البعض محاولة لتجنب إثارة غضب القوى الغربية.
رغم الفرص التي توفرها الشراكة مع الصين، يواجه المغرب تحديات هيكلية ترتبط بتركيز صادراته على السوق الأوروبية، حيث يتم توجيه 90 في المائة من صادرات السيارات المغربية إلى دول الاتحاد الأوروبي. هذا الاعتماد الكبير على أوروبا يضعف هامش المناورة المغربي في توسيع خياراته الاقتصادية، ويدفع المسؤولين المغاربة إلى تبني سياسة حذرة ومتوازنة تسعى إلى تنويع الشركاء دون المساس بالعلاقات الاستراتيجية القائمة.
في هذا السياق، يشكل التعاون مع الصين فرصة استثنائية للمغرب لتطوير بنيته التحتية وتعزيز مكانته كقاعدة صناعية وتصديرية على المستوى العالمي. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في كيفية تحقيق هذا الهدف دون التضحية بالعلاقات التقليدية مع الغرب أو الدخول في صدامات جيوسياسية قد تؤثر على استقرار المملكة ومصالحها الاقتصادية.