بوعيدة يكتب: قضية الصحراء حتى لا يجهل أحد علينا

بقلم: عبد الرحيم بوعيدة

تحتل قضية الصحراء مكانة كبيرة في وجدان كل المغاربة، هي خط أحمر لا يقبل ألوان الطيف، سقف نناقش تحته لا فوقه.
قضية نختلف حول تدبيرها لكن نجتمع حول مغربيتها، لذا من الصعب أن نراوغ أو نلعب بالمصطلحات أو نختبئ وراء الألفاظ.
في الوطن نختلف حول قضايا عديدة تتعلق بالسياسات العمومية، نرفض الغلاء، نتألم لأرقام البطالة، نأسف لأن أغلبنا نسي طعم اللحم، نستغرب من تصريحات بعض ساستنا تحت قبة البرلمان، كلها قضايا نتحدث فيها بكل حرية.
وحتى في تدبير ملف قضيتنا الوطنية وفي عجز النخب السياسية وفي استفادة البعض من هذا الملف، نحلل ونناقش الأمر دون حرج لأن هذا جزء من البحث عن حلول داخل الإجماع لا خارجه، معالجة لأعطاب لا زالت مستمرة في الزمن.
لكن حتماً من الصعب أن نُزايد على وطننا أو أن نخرج عن منطق التاريخ الذي يمنحنا حقاً أبدياً في مغربية الصحراء وفي صحراوية المغرب نفسه.

قد نختلف في القراءات وفي تقييم كل هذه السيرورة التاريخية، لكن حتماً لن نستطيع تعطيل حواسنا كلها إرضاء لأي كان. إجماعنا حول مغربية الصحراء ليس إجماعاً مفروضاً أو مخططاً له!! هو إحساس نابع من حب الوطن بكل ما فيه حتى وإن أخطأ هذا الوطن في حق بعضنا.
الدفاع عن قضيتنا الوطنية يجب أن يكون مدعوماً بالحجج والثوابت العلمية، العاطفة مطلوبة لكنها أنتجت خطاباً على مدار سنوات طويلة يُكرر نفس الشعارات ويلوك نفس الكلام.
للسياسي خطابه، وللأكاديمي حججه، لكن للأسف يسقط الأكاديمي في تكرار نفس خطاب السياسي، لذا يتطور الملف ولا يتطور الخطاب.
ومن يعود ليتأمل خطاب صاحب الجلالة في البرلمان عليه أن يلتقط الإشارات ويفهم أبعاد الخطاب وضرورة تغيير المقاربة والنخب.
الحقوقي أيضاً له خطابه، علينا قبل الرد عليه فهم أبعاده وسياقه ومرجعياته لأنها متعددة.

السياق الأممي مرتبط بآلية تقرير المصير وعلينا تفكيك هذه الآلية حتى يكتمل الفهم.
وحتى نفكك حق تقرير المصير، تجب الإشارة إلى أنه في نفس دورة الجمعية العامة التي تبنت القرار 1514 سنة 1960 تبنت أيضاً مبدأ حق الدول أن تبقى موحدة، فلماذا ندافع عن هذا؟ وننكر الحق الآخر؟!
من سيقترح حق تقرير المصير هي الدول المستعمرة بفتح “الميم”، لكن المفارقة أن من اقترحه كانت هي الدول المستعمرة بكسر “الميم” فرنسا، بريطانيا، بلجيكا.
فكيف للدول المستفيدة من الاستعمار أن تقترح مشروعاً سينزع عنها ما تجنيه من الخيرات؟

هذا القرار للأسف أُسس لتفتيت قارة إفريقيا التي كانت تتكون من 19 دولة إلى 53 وبعدها 55، وإليكم بعض النماذج للتذكير فقط:
ما كان يُعرف بدولة غرب إفريقيا الفرنسية أصبحت بموجب هذا القرار سبع دول، وما كان يُعرف بإفريقيا الاستوائية الفرنسية تحولت إلى أربع دول.
والأمثلة كثيرة للسرد: إثيوبيا، السودان.
هذا القرار طُبق فقط على دول العالم الثالث وخلقت له آليات الأجرأة المتمثلة في اللجنة الرابعة ولجنة الأربعة والعشرين، بينما قرار حق الدول في أن تبقى موحدة تُرك دون آلية للتطبيق واستعملته القوى الكبرى، وأكبر دليل على ذلك ما قامت به إسبانيا لوأد مبادرة الانفصال في كاتالونيا في يونيو 2017، واستعملته أيضاً في إلغاء ما يسمى بخطة Plan iBarraetxe بتاريخ 30/12/2004.

الخلاصة: حق تقرير المصير يقرأه كل جانب من زاوية مصالحه، ونحن هنا في هذا الوطن قررنا مصيرنا منذ زمن بعيد ولا نحتاج لمن يزايد علينا من منطلقاته. ولِفهم ما حصل علينا بكل بساطة العودة للصحراء نفسها لكي نفهم أن أغلب المنخرطين في الجمعية ينتمون للتيار الانفصالي، ومنهم من يشارك في دورات حقوق الإنسان بجنيف مع وفد “البوليساريو” ويشاركون في مؤتمرات الجبهة، بل أكثر من هذا يفرضون على الجمعية توجهاتهم المعادية للمغرب، والسؤال العريض: لماذا لا يعترفون أن المغرب يتسع لكل الآراء؟ وهذه قوته لأنه واثق كما المغاربة أن الصحراء مغربية ولن يخيفنا صوت أو أصوات تغرد هنا أو هناك.

سؤال للختم والتأمل: لماذا عندما دافع مصطفى ولد سلمى عن الحكم الذاتي تم تعذيبه وترحيله إلى حدود موريتانيا؟ وهم هنا يقولون كل شيء بكل حرية ومع ذلك لا يعترفون!! لسنا جنة فوق الأرض لكننا لسنا جحيماً كما هناك.
نحن دولة عمرها 12 قرناً، هي حمولة بكل ما للتاريخ من معنى، لذا يجب أن نتجه للمستقبل ولا نلتفت للوراء. دعهم يقولون ما شاؤوا، لن يستطيعوا تغيير التاريخ ولا تحويل الجغرافيا…