شكل ميشيل عفلق حالةً جدلية عند مؤيديه ومعارضيه، سواء كانوا مؤيدين للأفكار النظرية لـ “حزب البعث”، أو معارضين لأفكاره القومية، بين من يتهم البعث بالديكتاتورية نتيجة ممارساته في سوريا والعراق، ويتهم عفلق بها بطبيعة الحال لأنه أحد منظري الحزب، وبين مدافعين عنه انطلاقًا من نفي تطبيق الأفكار كما كتبها عفلق، وانحراف مسار الحزب عنها.
مات عفلق في باريس ودفن في العراق، بعد صراع مع انقلابيي البعث توج بالانقلاب عليه وهربه إلى العراق، ليعطي الجناح العراقي دفعًا سياسيًا كبيرًا في مواجهة الجناح السوري.
البدايات
ولد ميشيل عفلق في 9 من كانون الثاني من عام 1910 في دمشق، وسافر إلى فرنسا ليدرس التاريخ في جامعة السوربون.
التقى هناك بصلاح البيطار وأسسا معًا اتحاد الطلبة العرب قبل أن يعود إلى دمشق ويعين أستاذًا لمادة التاريخ، ويتولى وزارة التعليم لفترة وجيزة، ويبدأ مع صلاح البيطار بتأسيس حركة الإحياء العربي، والتي تحولت لاحقًا إلى حزب “البعث العربي”، بتأثير من أفكار زكي الأرسوزي في دمشق، والأفكار التي استلهمها من بعض المفكرين الفرنسيين والإيطاليين في أثناء دراسته في فرنسا.
أصدر الحزب صحيفة البعث في عام 1946، قبل أن يتحد مع “الحزب الاشتراكي” بقيادة أكرم الحوراني، ويصبح حزبًا واحدًا حمل اسم حزب “البعث العربي الاشتراكي” عام 1952.
الوحدة السورية المصرية
كان أحد أهم شروط جمال عبد الناصر لقيام الوحدة السورية المصرية هي حل الأحزاب، وهو ما وافق عليه عفلق رغم اعتراضات العديد من البعثيين، في سبيل المصلحة العليا للأمة العربية، بحسب تصريحات لابنته رزان عفلق لصحيفة “الحياة” في 6 من تموز 2008.
بعد الانفصال عن مصر، قام عفلق والبيطار بإعادة إحياء الحزب المنحل، وقال في لقاء تلفزيوني إن الحزب خرج من الوحدة أقوى مما كان، معتبرًا أن جمال عبد الناصر شخص واقعي وسيتعاون مع “حزب البعث”.
ويروي كتاب “حروب الناصرية والبعث” للكاتب اللبناني سليمان الفرزلي أن عفلق بقي يدافع عن مكانة مصر في العالم العربي ودروها الوحدوي وشخص جمال عبد الناصر حتى النهاية.
كما أكدت ابنته رزان في حديثها مع صحيفة “الحياة“، أن علاقة عفلق والحوراني انقطعت تمامًا بعد توقيع الحوراني على بيان الانفصال.
في العراق
قامت “اللجنة العسكرية” في عام 1966، فيما عرف لاحقًا بحركة “22 شباط”، وإثرها اعتقل صلاح البيطار، الشريك المؤسس لعفلق، وتم استبعاد المؤسسين للحزب، فرحل كل منهما إلى بيروت.
بدأت علاقة صدام حسين بميشيل عفلق في أثناء المؤتمر القطري لحزب “البعث” في بغداد، وبعد تسلم حسين للسلطة في العراق، منح عفلق رتبةً شرفية داخل الحزب.
ويتحدث مؤرخون عن سعي صدام حسين لاستمالة عفلق لإضفاء الشرعية على الجناح العراقي لحزب “البعث” في مواجهة الجناح السوري في دمشق، مستغلًا إقصاء عفلق من الحزب في سوريا.
واتخذ خصوم عفلق من حادثة تصفية البعثيين العراقيين على يد صدام حسين في عام 1979 منصةً للهجوم على المفكر البعثي، إذ لم يهاجم الأخير صدام أو يتعرض للمساءلة، بعكس ماذكرت ابنته رزان من تصريحات قالت فيها إن عفلق “تألم للغاية” من هذه الحادثة.
ونفت رزان عفلق ما أشيع عن سكن العائلة في قصور فخمة في العراق أو تدخل والدها في الحياة السياسية العراقية، مؤكدةً أن عفلق كان همه الوحيد هو الحزب فقط، وجاءت هذه التصريحات في حوار مطول مع غسان شربل في عام 2008 لصالح صحيفة “الحياة”.
النهاية
توفي عفلق في عام 1989 في باريس، بعد عام واحد من نهاية الحرب العراقية الإيرانية، ودفن بعدها بأيام في العراق في مدفن له قبة زرقاء قبل أحاديث عن أن قوات الاحتلال الأمريكي هدمته إبان الغزو، إلا أن صحيفة “الحياة” نفت الخبر.
وانتشرت إشاعات عن دخول عفلق الدين الإسلامي قبل وفاته، دون أن يتم التأكد من صحة الإشاعات.