خرج نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، ليهاجم التجار ويتهمهم بالجشع والربح غير المشروع، متناسياً أن الحكومة التي ينتمي إليها هي التي تتحكم في خيوط اللعبة، وهي التي منحت الامتيازات لرجال أعمال مقربين منها لاحتكار استيراد الأبقار، ما أدى إلى انفجار أسعار اللحوم الحمراء والدواجن على حد سواء.
نزار بركة، الذي يجلس في موقع المسؤولية، يحاول التملص من الفشل الذريع للحكومة في ضبط السوق، وتوجيه الأنظار نحو التجار وكأنهم هم السبب الوحيد في الأزمة، في وقت يدرك فيه الجميع أن السياسات الاقتصادية العقيمة للحكومة، وتفضيلها مصلحة لوبيات معينة، هي التي دفعت بالأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي خطاب بدا أشبه بحملة انتخابية سابقة لأوانها، وجّه الأمين العام لحزب الاستقلال اتهاما للتجار، محملاً إياهم مسؤولية ارتفاع الأسعار، في حين أن الواقع يكشف أن الحكومة نفسها تتحمل المسؤولية الكبرى في هذه الأزمة، بعد أن احتكرت استيراد الأبقار والمواشي لفائدة مجموعة من رجال الأعمال المحسوبين عليها، ما أدى إلى اختلال واضح في العرض والطلب، وارتفاع مهول في أسعار اللحوم الحمراء والدواجن.
وقال نزار بركة خلال كلمته يوم السبت 15 فبراير 2025، بمناسبة إطلاق برنامج “2025 سنة التطوع” بمركز جماعة أولاد فرج بإقليم الجديدة: “حنا دابا فشعبان، اتقوا الله فالمغاربة، باركا ما تاكلو فلوس المغاربة، قلصوا من هوامش الربح ديالكم، عطاكم الله الكافي، بغينا الثمن ينزل باش المغاربة يكون عندهم الإمكانية أنهم يوصلوا للحم”.
إنه تصريح يحاول فيه نزار بركة إظهار نفسه في صف المواطن البسيط، بينما “حكومة أخنوش” هي التي عمّقت الأزمة، وتركت المغاربة يواجهون الغلاء بجيوب فارغة، بعدما فشلت في اتخاذ تدابير حقيقية لضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية.
وأشار نزار بركة إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء دفع العديد من المواطنين إلى اللجوء إلى الدجاج كبديل، غير أن هذا الأخير عرف بدوره ارتفاعاً كبيراً في أسعاره، ما زاد من معاناة الأسر المغربية، قائلا: “الناس مشاو للدجاج حيت الحمر غالي بزاف، والدجاج حتى هو غلى، وهاد الشي علاش بغينا الناس اللي كيتاجرو فالدجاج ينقصو من الهوامش الربحية ديالهم، باش يطيحو الثمن باش يكون هنالك كذلك تخفيض ديال الأسعار ديال الدجاج”.
ويبدو أن الحكومة لم تجد بديلاً عن سياسة الهروب إلى الأمام، فبدلاً من تحمل مسؤوليتها في حماية السوق من الاحتكار، وضمان شفافية عملية استيراد الأبقار والمواد الغذائية، تلجأ إلى الخطاب الشعبوي عبر تحميل التجار مسؤولية أزمةٍ خلقتها هي بنفسها.
واعتبر نزار بركة أن الهدف ليس منع التجار من تحقيق الأرباح، ولكن الحث على تبني منطق ربح عقلاني يراعي التوازن بين مصلحة التجار وقدرة المواطنين على شراء المواد الأساسية، قائلا: “إحنا بغينا يكون واحد التعامل معقول، ونقولها بكل وضوح.. بغينا يكون منطق ديال الربح العقلاني، ماشي الجشع، حنا بغينا هاد الناس يفهمو هاد الشي”.
لكن هل يفهم المغاربة أن الجشع الحقيقي ليس في الأسواق فقط، بل في السياسات التي تحمي فئة معينة من رجال الأعمال على حساب المواطن البسيط؟ وهل يدركون أن الخرجات الإعلامية لبعض السياسيين ما هي إلا محاولات لامتصاص الغضب الاجتماعي، قبل أن تزداد الأمور تعقيداً؟
لقد اعتبر الأمين العام لحزب الاستقلال أن الظروف الاقتصادية الحالية تستدعي من جميع الفاعلين، سواء في قطاع اللحوم الحمراء أو الدواجن، مراجعة سياسات التسعير بشكل يحقق الإنصاف للجميع، داعياً إلى ضرورة تفعيل إجراءات تحدّ من المضاربة وتحمي المستهلك المغربي من الارتفاع غير المبرر للأسعار.
لكن الحقيقة أن الإنصاف يبدأ من الحكومة نفسها، التي يجب أن تتوقف عن حماية مصالح لوبيات المال والأعمال، وتتخذ إجراءات حقيقية لحماية القدرة الشرائية للمواطن، بدلاً من إطلاق تصريحات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ويبدو أن نزار بركة يحاول الجمع بين الشيء ونقيضه، فهو “يأكل مع النعجة” حين يتعلق الأمر بحماية مصالح لوبيات استيراد الأبقار والمواشي والمواد الغذائية…،لكنه “يبكي مع السارح” حين يريد أن يظهر في صورة المدافع عن القدرة الشرائية للمواطنين، في مشهد لم يعد ينطلي على المغاربة الذين يدركون أن الخلل الحقيقي يوجد في دواليب الحكومة وليس فقط في الأسواق.