في مشهد يعيد رسم خرائط القوة في إفريقيا، يتصدر المغرب قائمة مستوردي الأسلحة الفرنسية، متجاوزًا جميع منافسيه بصفقات بلغت 1.1 مليار يورو، وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، حيث تحولًا استراتيجيًا يعيد ترتيب موازين الردع في المنطقة، حيث لم يعد المغرب مجرد مستهلك للأسلحة، بل لاعبًا أساسيًا في صناعة القوة الإقليمية.
على الجانب الآخر، الجزائر، التي اعتادت لعقود أن تحتكر صدارة الإنفاق العسكري في المنطقة، لم تستطع سوى تأمين واردات بقيمة 522 مليون يورو، ما يعكس تغيرًا في قواعد اللعبة.
وبينما تتراجع دول أخرى إلى الخلف، يواصل المغرب تقدمه بخطى ثابتة، غير مكتفٍ فقط بالاستيراد، بل واضعًا الأسس لصناعة دفاعية محلية تكفل له استقلالية القرار العسكري بعيدًا عن أي ضغوط خارجية.
المملكة التي لطالما راهنت على الدبلوماسية، باتت اليوم تمتلك لغة أخرى أكثر تأثيرًا في المعادلات الجيوسياسية: لغة القوة. فمن شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة وفرنسا، إلى تعاون متزايد مع قوى صاعدة مثل الهند والبرازيل، بات المغرب ينسج تحالفات عسكرية لا تقتصر على شراء العتاد، بل تمتد إلى نقل التكنولوجيا، وتصنيع المعدات محليًا، ووضع لبنات صناعة عسكرية وطنية قد تجعل منه قوة تسليحية مستقلة خلال السنوات القادمة.
ولأن القرارات السيادية تقاس بالميزانيات المرصودة لها، فقد خصص المغرب 133 مليار درهم لقطاع الدفاع في مشروع قانون المالية لسنة 2025، في خطوة غير مسبوقة تؤكد أن المملكة لا تنظر إلى التحديث العسكري كخيار، بل كضرورة استراتيجية.
هذا الإنفاق ليس مجرد أرقام على الورق، بل انعكاس لوعي متزايد بأن التفوق العسكري لم يعد رفاهية، بل ضمانة لمكانة إقليمية لا يمكن التفريط فيها.
وسط هذه الديناميكية المتسارعة، تتشكل ملامح مشهد عسكري جديد في شمال إفريقيا، حيث لم يعد المغرب مجرد طرف في معادلة التسلح، بل قطب صاعد بامتياز.