علي الغنبوري
اعتقد ان الخطاب الملكي لليلة امس قد شكل نقلة نوعية في الخطب الملكية السابقة ، إذ انتقل الملك في خطابه من مرحلة تشخيص و انتقاد الواقع الداخلي المغربي في شتى مجالاته و جوانبه ، الى الدفع نحو وضع تصورات و اجراءات عملية تمكن من إعادة ترتيب اوراق البيت الداخلي بما يضمن تحقيق النجاعة و النجاح الكفيلين بتحسين شروط عيش المغاربة .
الخطاب الملكي لعيد العرش ، أبرز بشكل جلي استعادة المؤسسة الملكية للمبادرة التنفيذية ، في ظل الفراغ المهول الذي يعيشه المغرب في هذا الشان ، فضعف الجهاز التنفيذي و عدم قدرته على احتلال المساحات المهمة التي منحه إياها دستور 2011، جعل الملك يبادر الى لعب ادواره الدستورية و ملئ الفراغات الكبيرة التي خلفتها الممارسة الحكومية طيلة سنوات .
مطالبة الملك رئيس الحكومة بتغير تشكيلته الحكومية ، و باقتراح الكفاءات الحقيقية لشغل مناصب الادارة و المؤسسات العمومية ، هو اشارة ضمنية ، الى ضعف الاداء الحكومي و فشله في تحقيق شروط النزاهة و المصداقية في تدبير الشان العام .
هذا المطلب كذلك هو رسالة واضحة ، للاحزاب السياسية المغربية ، و انسداد الافق داخلها ، و خروجها عن ادوارها المتجسدة في تمكين الكفاءات و النخب من الوصول الى مراكز القرار .
تشكيل الملك للجنة خاصة بالنموذج التنموي الجديد ، هو قرار اتخذه على مضض ، و هو ما عبر عنه بشكل صريح و واضح في خطابه الاخير ” إنني في الحقيقة، لا أميل شخصيا لإحداث اللجان الخاصة؛ لأنها أحسن طريقة لدى البعض، لدفن الملفات والمشاكل” ، فالملك اختار قبل تشكيل هذه اللجنة تبني مقاربة تشاركية مع كل الفاعلين السياسيين بالبلاد ، من خلال تجميع اقتراحات و تصورات الاحزاب بخصوص النموذج التنموي الجديد، لكن يبدو ان هذه التصورات و الاقتراحات كشفت بشكل جلي المستوى المتردي و الفقر المعرفي و القصور الاداركي للتحديات و الرهانات التي تواجه المغرب ، لدى هذه الاحزاب، و هو ما دفع الملك الى فتح المجال امام الكفاءات و الطاقات المغربية المجربة ، و التي باتت خارج نطاق المؤسسات الحزبية ، للمساهمة في صياغة هذا النموذج التنموي الجديد .
خطاب الملك بمناسبة عيد العرش ، لم يخلو من اشارات اتجاه الفاعلين الاقتصاديين بالبلاد و الادوار السلبية التي يقومون بها ، في تعطيل عجلة التنمية بالبلاد ، فالملك و ان امتنع عن تسميتهم في خطابه ، فهو اكد بشكل واضح عن تحكم المصالح الشخصية و غير الوطنية في اعتبارات هؤلاء .
تقريع الملك لتعطيل التشريع المواكب لجذب الاستثمار الاجنبي بالبلاد ، هو رسالة موجهة بالاساس لمجوعات اقتصادية متنفذة داخل الحكومة و البرلمان ، اصبحت تعيق مجهودات الدولة نحو الانفتاح و التنمية ، عبر احتكار المصالح الاقتصادية و توجيهها نحو مصالحها الخاصة .
اكيد ان خطاب الملك بمناسبة عيد العرش تضمن رسائل عديدة و متعددة ، لكن تبقى ملامسة الملك لثالوث السياسة و الاقتصاد و العمل الحكومي ، اهم رسائل هذا الخطاب ، باعتبار الترابط الوثيق بينها ، و ما تعانيه من اختلالات و تشوهات كبيرة ، باتت تهدد استقرار و تقدم المغرب .