يبدو أن رئاسة الحكومة قد وجدت أخيرًا ما يستحق أن تستيقظ من أجله، ليس الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولا أسعار المواد الأساسية التي تحرق جيوب المغاربة، ولا حتى المضاربات والاحتكار الذي أصبح قاعدة غير معلنة في الأسواق، بل حساب مزيف على منصة إكس! كأن الأمر يتعلق بحدث جلل يهدد استقرار البلاد، أو كارثة وطنية تستوجب إصدار بيان رسمي طويل عريض، بينما صمتت نفس المؤسسة عن القضايا المصيرية التي تؤرق المغاربة يوميًا.
هذا الصمت الحكومي لم يعد مجرد غياب عن المشهد، بل تحول إلى سياسة قائمة على التجاهل الممنهج. فحين ترتفع الأصوات المنددة بالغلاء، وحين تتراكم شكاوى المواطنين عن انعدام الرقابة على الأسواق، وحين يصبح العيش الكريم مطلبًا يبدو بعيد المنال، لا نسمع تعليقًا ولا توضيحًا ولا حتى تلميحًا لوجود حلول.
أما حين يتعلق الأمر بحساب إلكتروني مزيف، فالرئاسة تهبّ فجأة مدافعة عن “الشرعية الرقمية” لرئيس الحكومة، وكأن المغاربة يقضون يومهم مترقبين تغريداته الرسمية بدلًا من البحث عن لقمة عيشهم وسط أرقام أسعار تتضاعف بلا رقيب.
المثير في الأمر أن البيان الحكومي يعكس خللًا في ترتيب الأولويات. فالحساب المزيف على إكس لا يعني شيئًا لعموم المغاربة، بل وحتى الحساب الحقيقي لرئيس الحكومة لا يشكل بالنسبة لهم مصدر اهتمام، لأن لا شيء يُقال فيه ولا شيء يُفعل على أرض الواقع.
إن المغاربة لم ينتظروا هذا البيان ليكتشفوا وجود رئيس حكومة في البلاد، بل ينتظرون مواقف واضحة، قرارات جريئة، إجراءات ملموسة تحد من جنون الأسعار، وتضع حدًا لممارسات المضاربين الذين يستغلون ضعف الرقابة وانعدام الإرادة السياسية في فرض الانضباط على الأسواق.
حين يقارن المواطن البسيط بين هذا التحرك السريع لرئاسة الحكومة لحماية “صورتها الرقمية”، وبين تجاهلها الكامل لحماية القدرة الشرائية للمغاربة، فإنه يدرك أن المشكلة ليست في الحسابات المزيفة، بل في غياب الحساب الحقيقي للأوضاع المعيشية.
أين الحكومة من وعودها التي قدمتها في بداية ولايتها؟ أين الإجراءات الصارمة التي تحدثت عنها لمكافحة الاحتكار؟ أين آليات التدخل لضبط الأسعار التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة؟ يبدو أن كل هذه الأسئلة لا تستحق بيانًا رسميًا، ولا حتى تغريدة يتيمة على الحساب الرسمي لرئيس الحكومة!
وفي المقابل، بنك المغرب أيضًا أصدر بلاغًا يحذر فيه من التلاعب باسمه في عمليات رقمية مشبوهة. هذا تحرك ضروري ومفهوم، لكنه يكشف بالمقابل عن مفارقة أخرى. فالمؤسسات الاقتصادية الكبرى تتخذ خطوات دفاعية لحماية صورتها، بينما يظل المواطن المغربي بلا حماية تُذكر من مافيات الأسعار وجشع الأسواق.
هل أصبح الدفاع عن سمعة المؤسسات أهم من الدفاع عن الحقوق الأساسية للمغاربة؟ وهل يُعقل أن تكون الحكومة أسرع استجابة في نفي خبر مزيف، منها في مواجهة وقائع حقيقية تتكرر يوميًا على أرض الواقع؟
الحساب الذي يطالب به المغاربة ليس على منصة إكس، بل هو حساب في الميدان، أمام المواطن، في السوق، في المتجر، في المخبزة، في محطات الوقود، حيث تتحدث الأسعار بأرقام فلكية لا تعكس واقع الأجور ولا مستوى العيش. إنهم لا يريدون بيانات رسمية تنفي وجود حساب إلكتروني، بل يريدون مواقف رسمية تعترف بوجود أزمة، وتقدم حلولًا ملموسة للخروج منها.
وحين تعجز الحكومة عن تحقيق ذلك، يصبح الحساب الحقيقي هو الذي سيقدمه لها المواطنون في صناديق الاقتراع، لأن الشعب الذي يُترك لمصيره أمام مضاربات الأسواق، لن يمنح ثقته مجددًا لحكومة تضع أولوياتها في المكان الخطأ!