نزيف الغلاء مستمر.. أين اختفت وعود الحكومة بضبط أسعار اللحوم؟

رغم كل الوعود الرسمية والتطمينات الحكومية، لا تزال أسعار اللحوم الحمراء في المغرب تحلق في مستويات قياسية، لتصل إلى 120 درهما للكيلوغرام مع حلول شهر رمضان. هذا الارتفاع الصاروخي يأتي رغم فتح باب الاستيراد وضخ 5.7 مليار درهم في السوق، لكن النتيجة واحدة: جيوب المواطنين تئن، والقدرة الشرائية تنهار أمام موجة الغلاء التي لا تجد من يوقفها.

الحكومة سبق أن أطلقت عدة إجراءات للحد من ارتفاع الأسعار، من دعم المربين إلى إعفاءات جمركية على استيراد المواشي، لكن النتائج على أرض الواقع كانت مخيبة للآمال. فبدل أن تنعكس هذه التدابير على الأسعار، استفاد منها كبار الفاعلين في السوق، بينما ظل المربون الصغار خارج دائرة الدعم الفعلي. الشروط المعقدة للاستفادة من المساعدات حالت دون وصولها إلى جزء كبير منهم، خصوصاً غير المنخرطين في الجمعيات المهنية المعتمدة، مما جعل الأزمة أكثر تعقيداً.

ورغم القرار الملكي بإلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى، لم تتراجع الأسعار، بل ظلت على حالها. الأخبار التي تناقلتها مواقع التواصل حول انخفاض أسعار الأغنام الحية والعجول المعدة للذبح لم يكن لها أي تأثير على الأسعار المعلقة في سبورات الجزّارين، مما زاد من استياء المواطنين الذين كانوا ينتظرون انخفاضاً حقيقياً.

الاعتماد على الاستيراد لضمان وفرة اللحوم لم ينجح في كبح جماح الأسعار، فرغم ارتفاع واردات المواشي الحية بنسبة 95.2% هذا العام، بقيمة بلغت 5.6 مليار درهم، إلا أن الأسواق لم تشهد أي تراجع. هذا الوضع يعكس أزمة هيكلية عميقة يعاني منها قطاع اللحوم في المغرب، حيث تبقى التدابير الحكومية مجرد حلول ترقيعية لم تعالج أصل المشكلة.

الارتفاع الجنوني للأسعار لا يعود فقط إلى نقص المعروض، بل تغذّيه أيضاً المضاربات، حيث تحول القطاع إلى ساحة يتحكم فيها وسطاء يشترون المواشي بأسعار منخفضة ثم يعيدون بيعها بأثمان خيالية، في ظل غياب رقابة حقيقية على سلاسل التوزيع. إضافة إلى ذلك، تعاني المجازر المغربية من بنية تحتية متقادمة وغير مؤهلة، ما يساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع، ويزيد من صعوبة ضبط الأسعار.

رغم تعليق الحكومة للرسوم الجمركية وفتح باب الاستيراد، لم تكن لهذه القرارات أي تأثير ملموس. فحتى خيار استيراد اللحوم المجمدة، الذي تم اعتماده لفترة قصيرة، لم يصمد سوى ثلاثة أشهر قبل إيقافه بسبب مشاكل تقنية وقانونية، تاركاً المستهلك المغربي أمام خيارات محدودة وأسعار مرتفعة.

اليوم، يتساءل كثيرون عن نجاعة السياسات الحكومية، فالأموال التي تم ضخها لدعم القطاع تجاوزت 5576 مليون درهم، لكن الأسعار لم تنخفض. المستفيد الأكبر كانوا المستوردين والموزعين الكبار، بينما ظل المربون الصغار والمستهلكون في مواجهة مباشرة مع أزمة غلاء غير مسبوقة.