هل رفع وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي الراية البيضاء، معلنا استسلامه أمام التحديات الكبرى التي يعيشها القطاع؟ هذا السؤال يفرض نفسه بقوة في ظل حالة الشلل غير المسبوقة التي تعيشها الوزارة منذ مغادرة خالد آيت الطالب في التعديل الحكومي الأخير، ما أفسح المجال أمام وزارة الداخلية لتتولى فعليا مفاتيح تدبير القطاع الصحي، في خطوة بدأت بشكل واضح من جهة الرباط سلا القنيطرة، حيث تدخل والي الجهة محمد اليعقوبي لإنهاء الفوضى التي تفجرت بعد الهروب الجماعي لفريق طبي من مستشفى مولاي عبد الله بسلا إلى مستشفى مولاي يوسف بالرباط.
وتكشف المعطيات المتوفرة أن الوالي محمد اليعقوبي، وليس وزير الصحة أو المديرة الجهوية أو المندوب الإقليمي، هو من بات يتحكم في ضبط الإيقاع داخل المؤسسات الصحية بجهة الرباط سلا القنيطرة، ما يعكس اختلالا وإداريا وسياسيا غير مسبوق. فكيف يعقل أن يغيب الوزير المسؤول عن قطاع حيوي بهذا الحجم، في وقت تتصاعد فيه الأزمات؟ ولماذا لم تحرك المديرية الجهوية للصحة بجهة الرباط سلا القنيطرة ساكنا، وهي التي يفترض أن تكون المخاطب الأول في مثل هذه الحالات؟
والمثير في هذه القضية التي كشفتها جريدة “الأخبار” أن الأطباء لم يقرروا المغادرة بشكل فردي أو اعتباطي، بل كانوا تحت تأثير أحد الأساتذة المساعدين بكلية الطب والصيدلة بالرباط، الذي فرض عليهم العمل بمستشفى مولاي يوسف دون أي سند قانوني، مهددا إياهم بتنقيط سلبي.
ورغم تدخل والي جهة الرباط سلا القنيطرة وإعادة الفريق الطبي إلى مواقعهم الأصلية، فإن المسؤول الحقيقي عن هذه الفوضى لم يشمله أي إجراء، ما يعكس انتقائية واضحة في التعامل مع الأزمة، ويفتح المجال أمام تساؤلات مشروعة: من يدير فعليًا القطاع الصحي في غياب قيادة حقيقية داخل الوزارة؟
لقد بات من الواضح أن وزارة الداخلية تتولى زمام الأمور في القطاع الصحي، في وقت تعاني فيه وزارة الصحة من شلل تام على مستوى التدبير المركزي والجهوي والإقليمي، حيث أن هذا التحول يكشف عن فراغ كبير في قيادة الوزارة، التي تبدو وكأنها تخلت طواعية عن صلاحياتها لصالح السلطات المحلية، التي تتعامل مع القطاع وفق منطق الضبط الإداري أكثر من كونه تدبيرا استراتيجيا.
وتطرح هذه الأزمة إشكالا أكبر، هل نحن أمام إعادة رسم خارطة تدبير الصحة العمومية في المغرب، بحيث تصبح وزارة الداخلية هي الفاعل الأساسي في ضبط القطاع؟ وإذا كان تدخل والي جهة الرباط سلا القنيطرة قد أنهى الفوضى في هذه القضية، فإنه بالمقابل كرس معادلة جديدة مفادها أن الصحة لم تعد قطاعا يخضع لتدبير وزارة متخصصة، بل بات جزءًا من المنظومة الأمنية والإدارية التي تتحكم فيها الداخلية.
فهل أصبح وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي مجرد واجهة بلا سلطة فعلية؟ وهل يعني هذا أن الوزير الوصيٌ على القطاع الحكومي ومعه أعضاء ديوانه والكتاب العام للوزارة، فقدوا قدرتهم على التحكم في القطاع، وأن المستقبل سيشهد نقلا تدريجيا ل إلى لصلاحيات وزارة الصحة إلى “أم الوزارات”؟