لكماني يكتب: حين يُصبح التعليم ترفًا!

منير لكماني 21/06/25 ألمانيا

رغم ما تبعثه بعض الإنجازات الفردية من أملٍ وفخر، فإن الواقع العام للتعليم في المغرب لا يزال يئنّ تحت وطأة الاختلالات، ويعاني من تباين صارخ بين مؤسسات قليلة للنخبة وأغلبية ساحقة من المدارس العمومية المتعثرة. لقد كشف النجاح الباهر لخمسين طالبًا مغربيًا في ولوج المدرسة الفرنسية العريقة École Polytechnique de Paris عن مفارقة صارخة: حين تتوفر الشروط، يبدع الشباب المغربي، ويتفوّق، ويصنع المجد الأكاديمي. لكن، ماذا عن باقي التلاميذ؟ أليس من حق كل طفل مغربي أن يحظى بتعليم مماثل في الجودة والفرص؟

واقع تعليم بطبقتين

إن النجاح الذي حققته ثانويات التميز، وعلى رأسها ثانوية “LYDEX” بابن جرير، هو بلا شك مصدر اعتزاز. إلا أن هذه الإنجازات، رغم أهميتها، لا تُخفي مرضًا عميقًا ينخر جسد المنظومة التعليمية: نخبوية التعليم.
• جودة محصورة في القلّة: حينما نرى أن 38 من أصل 50 من الطلبة المقبولين في المدرسة الفرنسية هم من مؤسسة واحدة ممولة ومجهزة بدعم مؤسساتي ضخم، ندرك أن الجودة ليست موزعة بعدالة، بل هي محصورة في جزر معزولة وسط محيط مترامي الأطراف من المؤسسات التي تفتقر للبنية التحتية، والموارد البشرية، والعدالة في التوزيع.
• تعليم ببغائي لا يُنتج مبدعين: جل المدارس العمومية ما زالت تعتمد على أساليب تقليدية تقوم على الحفظ والتلقين، وتُقصي الفهم، والتفكير النقدي، وحل المشكلات. الطالب يُدرَّب ليُكرّر، لا ليُبدع؛ ليحفظ، لا ليفكّر.
• تفاوت صارخ في الفرص: تلميذ في قرية نائية لا يجد أحيانًا أستاذ رياضيات واحدًا طيلة الموسم، بينما زميله في ثانوية التميز ينهل من علوم أساتذة مكوّنين في كبرى المدارس الفرنسية. الأول يمشي أميالاً إلى المدرسة في برد الشتاء وحر الصيف، والثاني يجد سكناً مريحًا، ومطعمًا جيدًا، وفضاءات للمطالعة.
• هدر مدرسي مستشرٍ: الأرقام الرسمية تُظهر تسرب آلاف التلاميذ من المدارس كل عام. الهدر المدرسي ليس رقمًا، بل مأساة وطنية تَحرم البلد من طاقاته وتغذي الفقر والبطالة والتهميش.

من النخبوية إلى العدالة التربوية

إن المعضلة ليست في وجود مدارس للتميز، بل في الاقتصار عليها. التعليم العمومي لا يجب أن يكون بديلاً فقيرًا عن التعليم الخاص أو مدارس النخبة، بل أساسًا متينًا وعادلاً لجميع المغاربة.

1. تعميم الجودة لا تخصيصها

لا نريد تعليماً للفقراء، بل نريد تعليمًا عموميًا بجودة الأغنياء.

ينبغي للدولة أن تُمَوّل جميع المؤسسات بنفس الروح التي تموّل بها مدارس التميز. يجب أن تُوفّر المختبرات والمكتبات والتجهيزات الإلكترونية في كل مؤسسة، من الدار البيضاء إلى دوار في جبال الأطلس.

2. استثمار في العنصر البشري

المعلم هو جوهر الإصلاح. لا إصلاح بدون تكوين جاد ومحفزات مادية ومعنوية للأساتذة. يجب إعادة الاعتبار لمكانة الأستاذ في المجتمع، ورفع مستوى التكوين والانتقاء.

3. مناهج حديثة تُواكب العصر

نحتاج إلى مناهج تُحفّز التفكير، الإبداع، وربط العلوم بواقع المتعلم ومحيطه. لا نريد كتبًا تعجّ بالحشو والمعلومات الجافة، بل مناهج تُشعل الشغف بالتعلم.

4. دعم التلميذ المعوز

ينبغي توفير الإيواء، الإطعام، النقل، والمواكبة النفسية والاجتماعية لجميع التلاميذ في المناطق القروية والنائية. العدالة المجالية في التعليم ليست شعارًا، بل حق دستوري.

5. تحفيز روح التميز للجميع

لماذا لا نعمّم الأولمبياد الوطنية والبرامج التنافسية على كل المدارس؟ لماذا لا يُتاح لكل تلميذ مغربي، مهما كان موقعه، فرصة إبراز كفاءته؟ المواهب لا تختص بمدينة أو جهة، بل هي موجودة في كل بيت.

6. الأسرة والمدرسة شركاء لا خصمان

يجب تقوية العلاقة بين الأسرة والمدرسة، عبر التواصل، والتكوين الأسري، والبرامج الموازية، لضمان بيئة داعمة للتلميذ من الجهتين.

من الاستثناء إلى القاعدة

نجاح خمسين طالبًا مغربيًا في ولوج مدارس النخبة لا يجب أن يُخفي عنا حقيقة أن المستقبل لا يُبنى بالاستثناءات، بل بالقواعد. نعم، نفتخر بإنجازهم، لكننا نطمح إلى وطن يُتيح لكل أبنائه تعليمًا يجعلهم منافسين عالميين، لا مهمّشين محليين.

فلنعمل معًا من أجل مدرسة عمومية مغربية:
• لا تُقصي أحدًا،
• تُراهن على الإنسان لا فقط على الامتحان،
• تزرع الفكر بدل الحفظ،
• وتصنع من كل تلميذ مشروع نبوغ.

فحين تُصبح الجودة حقًا لا امتيازًا، سنُحرّر طاقات الوطن، ونبني مغربًا يُضيء بذكاء كل أبنائه.