وكالة التنمية الرقمية.. مؤسسة مشلولة تلتهم الميزانيات وتُجهض حلم المغرب الرقمي

هاشتاغ الرباط
هل تحولت وكالة التنمية الرقمية، فعلا، لوعاء فارغ يجب التخلص منه في أسرع وقت؟ قد يبدو هذا السؤال خارج السياق نوعا ما، في ظل التسابق المحموم على الرقمنة وعلى الأمن السيبراني وعلى موجات الذكاء الاصطناعي التي تغزونا من كل صوب، لكن الواقع الذي تخفيه جدران هذه الوكالة المتواجدة، توحي أنها تعيش آخر لحظاتها، ما لم تضعها الحكومة في دائرة الاهتمام الأول، ما دام أن مديرها الجديد المعين حديثا يسعى جاهدا لإفراغها من الأطر، التي ساهمت في تأسيس الوكالة منذ 2017.

وكالة بمهام متعددة … جعجعة دون طحين

عند البحث عن مهام وكالة التنمية الرقمية، نجد أنها بمسؤوليات ضخمة، فهي مؤسسة عمومية استراتيجية أحدثت بموجب القانون رقم 61-16 سنة 2017، وتخضع لوصاية وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.

وتهدف الوكالة إلى هيكلة المنظومة الرقمية، وإنعاش الاقتصاد الرقمي، وتشجيع الإدارة الرقمية بتقريب الخدمات الرقمية للمواطنين والمقاولات، وتبسيط ورقمنة المسارات الإدارية، وتعزيز التحول الرقمي المساهمة في تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية.

من بين المهام الموكولة لوكالة التنمية الرقمية أيضا بموجب القانون المؤسس لها، هو تشجيع نشر الوسائل الرقمية، وتطوير استخدامها، بدعم الاقتصاد الرقمي، و بث دينامية جديدة في الاقتصاد الرقمي وإنتاج حلول رقمية مغربية، وإحداث مناصب شغل، و تنمية المهارات الرقمية ضمان مواكبة التعليم لمتطلبات واحتياجات الفاعلين في المجال الرقمي.

فيما تبقى من أبرز مهامها تنمية المواهب الرقمية، عبر البحث عن أطر كفؤة هدفها حماية البنى التحتية الرقمية، وتعزيز الأمن السيبراني وحماية البنى التحتية الحيوية، فضلا عن تسريع مشاريع الإدارات العمومية في مجال الرقمنة، تحفيز وتشجيع التحول الرقمي على مستوى واسع تطوير منصات رقمية مشتركة لتبادل البيانات وتسهيل الخدمات مواكبة رقمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة.

نحن بعيدون عن هذه المهام بل بعيدون حتى عن نسب معقولة منها، وفعلا فقد اتضح بالملموس، عند الاختراقات التي طالت عددا من المؤسسات الاستراتيجية، أننا بعيدون فعلا عن تحقيق أمن سيبراني، والأدهى أن وكالة التنمية الرقمية المفروض فيها أن تحقق بنية للأمن الرقمي، لم تتدخل بصفة نهائية في أي واقعة من الوقائع التي طالت هذه المؤسسات تاركة الأمر لإدارة الدفاع الوطني التي عممت تحذيرات لعدد من المؤسسات الاخرى توخيا لمزيد من الحذر.

عند الحديث أيضا عن الاقتصاد الرقمي، لا زال الرقم المحدد ضمن الاستراتيجية الرقمية، والذي حدد في 100 مليار درهم، لسنة 2025، بعيدا جدا ما دام أن التقديرات الحالية لا تتجاوز 14 مليار درهم. الحيدث أيضا عن الإدارة الرقمية أمر أشبه بالمستحيل في ظل اعتماد شبه كلي للإدارة المغربية على الورق، بل إن قيمة الورق ازدادت مع هجمات الاختراق الرقمي التي استهدفت عددا من المؤسسات قبل أن تغلق مؤسسات أخرى تعاملاتها الرقمية، رغم أنها كانت رائدة في مجال التعامل الرقمي، مثل المحافظة العقارية.

لا يمكن أيضا الحديث اليوم عن تنمية رقمية ما دام أن الوكالة، تحولت تقريبا لمتعهد دروة “جايتكس” فقط، وهي دورة تقترب من عالم التجارة، تتنافس خلالها كبريات الشركات على صفقة تسمن سنة بعد سنة، حتى وصلت خلال الدورة الماضية ل12 مليار سنتيم.

مدير قادم من عالم التدبير ….الرقمنة خارج الاهتمام

قادما من عالم التدبير، والإشراف على مشاريع تابعة لصندوق الأمم المتحدة للإنماء، تم تعيين المزواغي مديرًا عامًا لوكالة التنمية الرقمية، خلال مجلس وزاري في 12 مايو 2025 باقتراح من رئيس الحكومة ومبادرة من الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح، التي تولت مسؤولية القطاع في إطار التعديل الحكومي، الذي طال حكومة عزيز أخنوش..
ورغم أهمية منصبه، أشارت العديد من التقارير إلى أن سيرته الذاتية، والمهنية، لم تكن معروفة بشكل واسع في الأوساط المهنية قبل هذا التعيين، بل إنه كان بعيدا كل البعد عن عالم الرقمنة، واتضح جهله بالقطاع فعلا عند تسليم السلط بيننه وبين سلفه عز الدين ملياني، الذي لم يترك المؤسسة أيضا في أحسن حال.

تؤكد مصادر موقع “هاشتاغ” أن الخلفية التدبيرية لمدير وكالة التنمية الرقمية، جعلته يركز أول ما حل على رأس الوكالة، على إحصاء النفقات، وتتبع جدوى مصاريف الوكالة، وإعادة ترتيب المسؤوليات. لكن هذا الأمر لم يفض لشيء ذي أهمية، فقط ركن بعض السيارات التي كان يستغلها بعض المدراء، والمسؤولين داخل الوكالة، وتقريب بعض الموظفين وإبعاد آخرين.
المزواغي، الذي أكد، عقب تسلمه مهامه على أهمية التحول الرقمي كضرورة وطنية، مشددًا على أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وتطوير المهارات هي روافع استراتيجية لخدمة السيادة الوطنية، يدبر حاليا وكالة باحتقان خفي، إذ أن بعض أركان المؤسسة، وحسب ما علمه الموقع صاروا وضعوا سيرهم الذاتية في قطاعات أخرى استعدادا للرحيل، خاصة عددا من المدراء المركزيين للوكالة، الذين قادوا المؤسسة منذ إحداثها.