مولاي العربي أحمد
مرة أخرى، عاد جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب، ليحاول إحياء خطاب متجاوز عن قضية الصحراء المغربية، متناسياً أن الزمن تغيّر، والحقائق الجيوسياسية تغيّرت، ومواقف الدول الكبرى لم تعد تقبل بالمزايدات الإيديولوجية أو الأوهام الانفصالية.
في مقابلة مع موقع “El Independiente” الإسباني، حاول بولتون تسويق رواية قديمة تدور حول ما يسميه “الحل الوحيد” لقضية الصحراء، وهو تنظيم استفتاء لتقرير المصير. موقف لا يعكس فقط انفصاله التام عن الواقع الدبلوماسي الدولي، بل يُظهر أنه لا يزال أسير حقبة التسعينيات، دون أن يُدرك أن الاستفتاء طُوي نهائياً بسبب استحالة تطبيقه تقنياً وقانونياً وسياسياً، وهي الحقيقة التي أقرتها الأمم المتحدة ذاتها منذ سنوات.
بولتون، الذي لم يعد له أي تأثير في دوائر القرار الأمريكية، يتجاهل الموقف الرسمي لبلاده، الذي تم تثبيته منذ دجنبر 2020، حين اعترفت واشنطن بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الصحراوية، وهو موقف لم يتم التراجع عنه لا من طرف إدارة بايدن، ولا من أي طرف داخل المؤسسة الأمريكية العميقة.
والأدهى من ذلك أن بولتون يتجاهل عمداً الإجماع الدولي المتزايد حول الطرح المغربي للحكم الذاتي، الذي وصفته فرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، ودول عربية وإفريقية كبرى، بأنه الحل “الجدي والواقعي وذو المصداقية”. فكيف يعقل لدبلوماسي سابق أن يقدّم “حلاً” لا تدعمه أي من القوى الكبرى، ويقترحه على منطقة تعرف استقراراً متصاعداً، واستثمارات متزايدة، وانخراطاً دولياً في مقاربة تنموية شاملة بالصحراء المغربية؟
الخطاب الذي يحمله بولتون ليس فقط غير واقعي، بل يُهدد بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، في وقت يسعى فيه المنتظم الدولي إلى طي هذا الملف نهائياً على أساس الواقعية السياسية واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية. أما إصراره على تحميل المغرب مسؤولية فشل الاستفتاء، فهو تزييف مكشوف للتاريخ، لأن الجميع يعلم أن المعرقل الحقيقي كان دائما الطرف الانفصالي، الذي يرفض التسجيل في اللوائح الانتخابية، ويرفض أي حل لا يشمل الانفصال.
في النهاية، يبدو أن بولتون يصرّ على الظهور، حتى لو كان ذلك عبر تصريحات لا وزن لها، تتجاهل تحولات العالم ومواقف الدول المؤثرة. وما لم يُدركه بعد هو أن قضية الصحراء المغربية لم تعد مجرد ملف نزاع إقليمي، بل أصبحت قضية استقرار إقليمي وأمن دولي، وهو ما تدركه واشنطن، وباريس، ومدريد، وبرلين، ولندن… بينما لا يزال بولتون عالقاً في سردية بائدة لا تجد لها من يُصغي.