هاشتاغ
أثار شريط فيديو يُظهر طبيبًا وهو يجري عملية جراحية على إيقاع موسيقى شعبية جدلًا واسعًا، بعدما دخلت “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد” على خط الواقعة، مُصدرةً بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه هذا “السلوك غير اللائق” على حد وصفها، دون أن تكلف نفسها عناء التحقق من السياق، أو الاعتراف بحقيقة مهنية وعلمية واضحة: أن الاستماع إلى الموسيقى في غرف العمليات ممارسة معمول بها عالميًا، بل ومثبتة علميًا في عدة دراسات على أنها تساعد في تخفيف التوتر ورفع التركيز لدى الطاقم الطبي.
المنظمة، التي يُفترض أن تدافع عن الحقوق وتُحارب الفساد، اختارت الطريق الأسهل والأكثر ضجيجًا، موجِّهة سهامها نحو طبيب قد يكون، بكل بساطة، يُمارس مهامه في جو مهني وإنساني يساعده على أداء واجبه بأقصى درجات الكفاءة. فهل تحوّلت مهمة بعض الجمعيات الحقوقية إلى ملاحقة الأطباء، والتقاط الفيديوهات من دون سياق، وركوب موجة “البوز” الإعلامي من أجل الظهور وادعاء البطولة الزائفة؟
والأدهى من ذلك، أن المنظمة لم تكتف بإدانة الطبيب، بل عمّمت اتهامات مبطّنة تُعيد إنتاج خطاب التشكيك في كفاءة المنظومة الصحية، مستحضرةً شهادات قديمة وغير موثقة عن “تمييز ولا مبالاة” و”انعدام التواصل”، وكأنها تسعى إلى تعميم الإدانة وإحباط الثقة في مهنيي الصحة الذين، رغم قلة الإمكانيات، يواصلون أداء رسالتهم بتفانٍ في صمت.
نعم، توجد اختلالات في قطاع الصحة، كما في غيره، وهذا لا يُنكره أحد. لكن تحويل حادثة موسيقى إلى فضيحة أخلاقية، وشيطنة طبيب في غياب أي دليل على تقصير أو إهمال طبي، هو ضرب من العبث وتضليل للرأي العام، وتشتيت للانتباه عن المعارك الحقيقية: من تجهيز المستشفيات، وتوفير الموارد البشرية، وضمان العناية بالمرضى على قدم المساواة.
منظمات المجتمع المدني لها دور حاسم في الرقابة والتوجيه، لكن حين تتحول إلى أدوات للتشهير وخلق الإثارة، فإنها تفقد بوصلتها، وتُقحم نفسها في معارك جانبية لا تفيد المواطن ولا تُصلح القطاع، بل تُغذي فقط منطق الصراخ بدل الإصلاح.
في النهاية، ليس العيب في الموسيقى داخل غرفة العمليات، بل في الضجيج الذي يصدر خارجه من جهات تبحث عن الشهرة أكثر مما تبحث عن الحقيقة.