مولاي العربي أحمد
في مشهد يعكس العبث السياسي بأوضح تجلياته، خرج إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال مؤتمر إقليمي لحزبه بمدينة سوق الأربعاء، ليقترح تغيير اسم المدينة، زاعمًا أن “هذا إقليم يستحق اسمًا يليق بمواطنيه”.
وكأنّ أزمة المواطن المغربي اليوم هي في تسمية المدن، لا في انسداد الأفق الاجتماعي والاقتصادي، ولا في غلاء المعيشة أو انهيار الخدمات العمومية.
الأدهى من ذلك أن لشكر لم يكن إلا صدى لصوت نائبته البرلمانية عائشة الكرجي، التي سبقت أن وجهت سؤالًا كتابيا غريبا إلى وزير الداخلية، تطالب فيه بـ”دراسة إمكانية تغيير اسم سوق الأربعاء الغرب”، بحجة أن الساكنة تريد اسمًا يعكس “العمق الحضاري والغنى التاريخي” للمدينة. وهي تبريرات لا تخرج عن دائرة التجميل الخطابي والمزايدات الفارغة.
لكن خلف هذا “السؤال العجيب” و”التصريح المسرحي”، تختبئ نوايا انتخابية رخيصة، لا تخفى على المراقبين. فالكرجي، القادمة حديثًا من إسبانيا، دخلت البرلمان بلائحة النساء بدعم مباشر من لشكر، وسط تسريبات عن وعد حزبي بترشيحها في دائرة سوق الأربعاء خلال انتخابات 2026. فهل هي بداية حملة انتخابية مبكرة تحت غطاء “تغيير الاسم”؟ أم مجرد محاولة لصناعة حدث إعلامي لتبرير حضور باهت داخل المؤسسة التشريعية؟
المثير للسخرية أن الكرجي لم ترفق سؤالها بأي وثيقة أو عريضة أو حتى إشارة إلى هيئة تمثيلية محلية تؤيد هذا المقترح، مكتفية بالحديث عن “رغبة المواطنين”، وكأنها الناطقة الرسمية باسم ساكنة بأكملها، أو كأن مطلب تغيير الاسم يختزل انتظاراتهم التنموية والمعيشية.
وبينما تغرق المدن المغربية في مشاكل النقل والتطبيب والتعليم، ويئن المواطن تحت ضغط الأسعار وهشاشة الخدمات، يخرج علينا لشكر ورفيقته بمبادرة لا تمت بصلة لأولويات المواطنين. فهل هذا ما تبقى من مشروع الاتحاد الاشتراكي؟ هل تحوّل الحزب العريق، الذي قاوم الاستبداد ونافح عن العدالة الاجتماعية، إلى حزب يسوّق للوهم ويغرق في التفاصيل الهامشية؟
إن الدعوة إلى تغيير اسم مدينة عريقة، تُعدّ جزءًا من الذاكرة الجماعية للمغاربة، ليست إلا صفعة لوعي الناس وتاريخهم، ومحاولة بئيسة للهروب إلى قضايا شكلية فارغة بدل مواجهة الواقع. فالتنمية لا تأتي بتبديل اللافتات، بل بإرادة حقيقية للإصلاح، بالوفاء للبرامج الانتخابية، وبالانصات الحقيقي لهموم المواطن وليس التحدث باسمه وفق مصالح انتخابوية ضيقة.
لشكر الذي شارف على مغادرة المشهد السياسي، يبدو أنه اختار أن يودّع المغاربة بمقترحات من نوع “تغيير الاسم”، لعلها تخلده في الذاكرة السياسية ولو بشكل كاريكاتوري. أما الكرجي، فربما ظنّت أن ولوج البرلمان يمنحها شرعية تغيير أسماء المدن قبل حتى أن تفهم مشاكلها.
الواقع أن ما يحدث هو استخفاف بعقول المغاربة، وتحقير لأولوياتهم، وتحوير لنقاشات البرلمان عن جوهرها. وإذا كان لشكر ومن يدور في فلكه قد اختاروا اللعب في الهامش، فإن الشعب اختار منذ زمن أن لا يثق في هذا النوع من الخطاب… والتاريخ لن يرحم من يبيع قضايا الوطن من أجل “اسم جديد”.