Hashtag
يبدو أن بعض المسؤولين في الحكومة المغربية بدأوا يخرجون من مكاتبهم — أو بالأحرى، يفرضون حضورهم خارج الجدران التي أُريد لها أن تحصرهم. ففي مشهد مشحون بالرمزية، اختار كاتب الدولة المكلف بالشغل، هشام صابري، أن ينزل إلى الميدان، ليس بحثًا عن مشروعية مفقودة، بل استعادةً لصلاحيات تُسحب بصمت.
الوجهة كانت الهراويين، منطقة صناعية تشبه مزيجًا بين مشهد من فيلم وثائقي عن “الكدح الشريف” وأرشيف وزارة نسيته الإدارات المتعاقبة. هناك، وقف صابري ليس باعتباره رجل إنقاذ، بل كمن وجد نفسه مكلفاً بمهمة دون أدوات، وفضّل خوضها بدل انتظار التعليمات من الطابق العلوي.
زيارته لم تكن حملة علاقات عامة، بل أقرب إلى تمرين علني على معنى أن تكون مسؤولًا بدون مفاتيح. تحدث عن الإدماج، المواكبة، حماية الشغيلة… الكلمات ذاتها التي نقرأها في تقارير المؤسسات الدولية، لكنها نادرًا ما تخرج من فم مسؤول وسط ضجيج ماكينات الخياطة، بدل صدى قاعة فخمة.
القطاع غير المهيكل لطالما كان ملفًا يُتداول كأنه سرٌ عائلي، لا أحد يجرؤ على فتحه إلا للتصريح بالقلق. ومع أن الملايين يشتغلون فيه ويعيشون منه، فإنه لا يحضر في جداول الأعمال إلا كمشكلة مؤجلة أو كعبء يجب أن “يتدبر أمره” بنفسه.
من هنا، لا تبدو زيارة صابري مجرد خطوة ميدانية، بل محاولة للقول إن الفاعلية لا تحتاج إلى توقيع نهائي من مكتب مدرّج ولا إلى كرسي دوّار. فحتى من موقع رمزي، يمكن فتح ورش فعلي—أو على الأقل، تحريك المياه الراكدة.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا ليس ما إذا كان صابري ينجح في مهمته، بل ما إذا كانت له مهمة واضحة أصلاً. الصراعات الداخلية في وزارته، والتضارب حول من يقرر ومَن يفوّض لمَن، تجعل المشهد أقرب إلى رقعة شطرنج بلا قواعد واضحة، ومسرحية بيروقراطية فيها شخصيات كثيرة… وقرارات قليلة.
لكن الأهم من هذه الزيارة هو ما توحي به: أن العمل المؤسساتي يمكن أن يتجاوز تضارب المواقع داخل الجهاز التنفيذي، متى توفر الحد الأدنى من الاستقلالية والمسؤولية.
فبعيداً عن الأسئلة حول من يترأس الاجتماعات ومن يفوّض لمن لا يمكن إنكار أن الاقتراب من الاقتصاد غير المهيكل — في زمن التوازنات السياسية الدقيقة — يُحسب لصابري لا لأنه سيحلّ المعضلة غداً، بل لأنه تجرأ على الإشارة إليها في العلن، وهو أمر لا يُجازى عليه بالتصفيق دائماً.
في ظل هذه الفوضى المرتبة، تصبح زيارة إلى ورشة نسيج أكثر من مجرد جولة. تصبح تصريحًا سياسيًا غير مكتوب: “أنا هنا. أراكم. وأعرف أنكم ترونني.” وهذا في حد ذاته، موقف لا يُستهان به.
قد لا يحمل صابري عصاً سحرية، لكنه بالتأكيد خرج من قفص الصمت المؤسساتي، ووقف حيث يفضل الكثيرون التفرج من بعيد. وهذا وحده كافٍ لإثارة ضجيج في مكان اعتاد على الهمس والتجاهل.
وفي نهاية المطاف، لا يُطلب من الرجل أن ينقذ الاقتصاد الموازي، بل أن يُبقي الحديث عنه ممكنًا. أما الباقي؟ فربما يحتاج إلى أكثر من زيارة… وأكثر من كاتب دولة “يشتغل بلا مكتب، في ملف بلا صاحب، ضمن مشهد بلا قرار”.