لشكر يُزايد بالديمقراطية بين أحضان “أم الوزارات” ويخنقها خلف أبواب “مقر العرعار”

وسط النقاش الوطني المتصاعد حول إصلاح المنظومة الانتخابية، عاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الواجهة، لا من بوابة المبادرة السياسية أو تقديم عرض حزبي متجدد، بل عبر بيان سياسي متوتر يُخفي أكثر مما يُظهر، صادر عن قيادة باتت تتقن لعبة المزايدة باسم الديمقراطية، وهي تمارس نقيضها داخل التنظيم.

الاجتماع الأخير للمكتب السياسي، برئاسة إدريس لشكر، جاء في أعقاب لقاء جمع وزير الداخلية بالأحزاب السياسية، تنفيذًا لتوجيهات الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، والذي دعا بشكل واضح إلى إصلاح عميق لمنظومة الانتخابات التشريعية المقبلة. غير أن ما خرج به الاتحاد الاشتراكي في بيانه السياسي لم يكن سوى محاولة التفاف ناعمة على هذه اللحظة السياسية الدقيقة، من خلال التظاهر بالحرص على “نزاهة الاستحقاقات”، في وقت تُجهّز فيه القيادة الاتحادية لمؤتمر مفصّل على المقاس، هدفه الوحيد تأمين ولاية رابعة للكاتب الأول، ولو على حساب روح الحزب ومصداقيته.

في مفارقة صارخة، يُطالب لشكر بضبط التعيينات الحكومية، ووقف استغلال وسائل الدولة في الحملات الانتخابية، بينما يعيد داخل حزبه إنتاج كل أساليب التحكم، من إقصاء المخالفين إلى تعديل النظام الأساسي بما يسمح له بالتمديد، ضاربًا عرض الحائط بمبدأ التناوب الذي طالما رفعه الاتحاد شعارًا في ماضيه النضالي.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه المكتب السياسي عن استعادة الثقة في المؤسسات، يعيش الاتحاد حالة جمود داخلي، تعكسها موجة استقالات متلاحقة، وصمت ثقيل من القواعد، وانكماش تنظيمي حاد، يُحوّل الحزب إلى هيكل انتخابي مفرغ من نبضه السياسي.

إدريس لشكر، الذي يقدم نفسه كمدافع عن الديمقراطية الانتخابية، هو ذاته من حوّل الاتحاد إلى ملكية حزبية مصغّرة، تُدار بالولاءات والقرارات المحسوبة، بلا أفق للتجديد أو تداول حقيقي على القيادة. فمن يُصادر الديمقراطية داخل بيته الحزبي، لا يملك الشرعية الأخلاقية للحديث عنها في الفضاء العام.

أما الحديث عن “مذكرات انتخابية” و”مقترحات إصلاحية”، فلم يعد سوى ورقة تجميل لواقع مأزوم، وحيلة لتبرير بقاء قيادة لم تعد تمثل سوى نفسها. فالأزمة التي يعيشها الاتحاد لم تعد تقنية أو قانونية، بل سياسية في جوهرها، عنوانها غياب المشروع، وهيمنة الزعيم، وانطفاء الأمل في التغيير.

لقد أجهزت القيادة الحالية على ما تبقى من روح “الوردة”، وحوّلت حزبًا كان ضميرًا لليسار المغربي إلى منصة لتبرير البقاء… باسم الاستمرارية، وتحت لافتة الإصلاح. والمفارقة أن الحزب الذي يطالب بتجديد المنظومة الانتخابية، لم يجد الشجاعة لتجديد نواته القيادية. وهذه وحدها فضيحة سياسية مكتملة الأركان.