تفاصيل صفقة إعلامية بمليارين تفضح مخططات شركة العمران

هاشتاغ _ الرباط

قررت مجموعة العمران أن تنفق مليون وثمانمائة وتسعون ألف درهم. أي ما يقارب ملياري سنتيم من المال العام، في صفقة تحمل عنوان “المواكبة في إدارة العلاقة مع الصحافة وفي إنتاج المحتوى والاستشارات في مجال التواصل”، وكأن همّ المؤسسة الأول ليس إنجاز المشاريع المتعثرة أو حل مشاكل السكن الاجتماعي أو مواجهة الانتقادات الموجهة إليها، بل صناعة هالة إعلامية حول نفسها، ولو كلف الأمر إفراغ خزائنها على خدمات علاقات عامة مصممة بعناية لتخدم أجندة خاصة.

طلب العروض رقم HAO/PMC/26/2025، الذي سيُفتح في 15 شتنبر المقبل بمقر المجموعة في الرباط، ليس عملية تقنية لانتقاء شركة متخصصة في التواصل، بل وثيقة سياسية بامتياز، تكشف عن رؤية مؤسسة عمومية تعتبر أن صورتها أهم من خدماتها، وأن السيطرة على الخطاب الإعلامي أولوية تتفوق على أي إصلاح هيكلي أو تحسين مباشر في جودة مشاريعها. فالوثائق الرسمية تبين أن المطلوب هو استراتيجية شاملة للتحكم في تدفق الأخبار، والتخطيط لأنشطة إعلامية دقيقة، وإدارة الأزمات بطريقة تضمن بقاء الرواية الرسمية وحدها في الواجهة، إضافة إلى إنتاج مواد تحريرية وسمعية بصرية متقنة، وصياغة خطب وبلاغات معدّة بعناية، وتكوين شبكة من الصحفيين الموالين، مع حضور دائم في الإعلام، سواء عبر القنوات التقليدية أو المنصات الرقمية.

لكن ما يجعل الصفقة مثيرة للشبهات ليس فقط قيمتها المالية الضخمة، بل الشروط التي وُضعت بطريقة تكاد تكون إعلاناً مبطناً عن أن المنافسة الحقيقية غير مرغوب فيها. فالمناصب المطلوبة ضمن الفريق المنفذ كلها تشترط شهادات جامعية عليا (Bac+4 أو Bac+5) في الإعلام أو التواصل أو الصحافة أو العلاقات العامة، مع خبرة لا تقل عن 10 سنوات، بل وتمنح نقاطاً إضافية لكل سنة خبرة بعد العاشرة، وهو ما يضيق الخناق على الشركات الناشئة أو الكفاءات الجديدة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام أسماء محددة في السوق معروفة بولائها وارتباطها بشبكات القرار.

الأكثر من ذلك، أن المدير المكلّف بالمهمة يجب أن يكون موظفاً دائماً في الشركة المتقدمة، وأن يثبت ذلك بوثائق CNSS، وهو شرط نادراً ما يوجد في طلبات العروض العادية، ويعني عملياً أن أي فاعل مستقل أو شركة صغيرة أو حتى تحالف جديد، سيجد نفسه خارج السباق منذ البداية. كما أن باقي الأعضاء، من محرر عربي إلى محرر فرنسي إلى ملحق صحفي، كلهم مطالبون بنفس السقف التعجيزي من الخبرة الطويلة جداً، وكأن الغاية ليست البحث عن الكفاءة، بل ضمان أن تنحصر دائرة المؤهلين في أسماء يمكن التحكم فيها مسبقاً.

وفيما يعيش المغاربة أزمة ثقة عميقة في المؤسسات العمومية، ويزداد تذمرهم من ممارسات الشركات العقارية وعلى رأسها العمران، التي ترتبط في أذهان كثير من المواطنين بملفات سكنية عالقة، ومشاريع متأخرة، وجودة إنجاز مثيرة للجدل، تأتي هذه الصفقة لتكرس صورة أخرى أكثر خطورة: مؤسسة تعتبر أن الحل ليس في إصلاح الخلل، بل في تلميع الواجهة، حتى لو كانت الواجهة زائفة. مليارا سنتيم ستذهب إلى خطط إعلامية وحملات علاقات عامة، بدل أن توجه إلى تهيئة أحياء ناقصة التجهيز أو تسريع تسليم المفاتيح لآلاف العائلات المنتظرة.

هذه ليست صفقة تواصل، بل هي فعل سياسي يعبّر عن عقلية إدارة عمومية اختارت أن تنفق أموال المواطنين لتشتري الصمت أو الرضا المؤقت عبر الإعلام، بدل أن تكسب ثقتهم عبر العمل الميداني. وعندما تُصمم شروط دفتر التحملات بطريقة تجعل المنافسة الحقيقية شبه مستحيلة، فإن السؤال يصبح أكبر من “من سيفوز بالصفقة؟” ليصل إلى “من الذي كتب هذه الشروط؟ ولصالح من؟”

وهكذا يبدون أن شركة العمران لا تبحث عن شريك للتواصل، بل عن حارس لباب صورتها، يمنع تسرب أي رواية أخرى غير الرواية الرسمية، ولو على حساب الحقيقة، والمشاريع، وحقوق المواطنين.