منصات التواصل تتحول إلى “خرائط طريق” للهجرة نحو سبتة المحتلة

لم تعد منصات تيك توك وفيسبوك فضاءات للترفيه أو تبادل الصور بين الشباب المغربي، بل تحولت، في تطوّر خطير، إلى منصات مفتوحة لتبادل المعطيات الميدانية بين من يخططون لعبور الحدود نحو مدينة سبتة المحتلة سباحة أو عبر وسائل بحرية سريعة، في موجة متنامية منذ صيف العام الماضي.

في مجموعات مغلقة وأخرى علنية، يكفي أن يطرح أحدهم سؤالاً مثل: “واش كاين الضباب، أخويا؟” حتى يتدفق سيل من الإجابات، تحمل في طياتها معلومات حساسة عن التوقيت الأمثل للانطلاق، وكيفية تفادي رصد الحرس المدني الإسباني أو دوريات الدرك الملكي المغربي.

المحتوى المتداول يتجاوز النصائح الظرفية، ليقدّم ما يشبه “دليلاً كاملاً” للهجرة: من تقنيات السباحة، إلى خرائط الوصول إلى مركز إيواء المهاجرين (CETI) داخل سبتة، مروراً بمسارات الالتفاف على الحواجز الأمنية. أما الفيديوهات المنتشرة فتسجّل لحظات العبور الحقيقية، حيث يظهر شبان في عرض البحر متشبثين بعوامات أو فوق زوارق سريعة، فيما آخرون يوثقون لحظة تسلقهم السياج الحدودي.

الأخطر أن هذه المجموعات تروّج لعروض خدمات متكاملة: أسعار الغرف المؤقتة في الفنيدق، كلفة الرحلات على متن “جيت سكي” أو “فانتوم”، أثمان بذلات الغوص والزعانف، وحتى أماكن بيع الخطاطيف المعدنية المستعملة في اجتياز الأسوار.

لم تعد المسألة مغامرات فردية عشوائية، بل شبكة معلوماتية متشابكة، تعمل على تقنين وتنسيق محاولات العبور بشكل جماعي، وتشارك تفاصيل دقيقة تمكّن الراغبين في الهجرة من استغلال الثغرات الأمنية واللوجستية.

هذا الواقع الرقمي يضع السلطات المغربية والإسبانية أمام تحدٍّ مضاعف: ضبط الحدود لم يعد رهين تعزيز الحواجز أو تكثيف الدوريات، بل صار يتطلب اختراق هذه “المختبرات الرقمية” التي تعيد هندسة مسارات الهجرة غير النظامية في زمن المنصات الاجتماعية.